2021-08-22 03:42:41
* تنبيه أهل السنة والإسلام في بيان حكم الإنكار علناً على الحكام “رد على الدكتور محمد علي فركوس” *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فإن من القواعد الشرعية التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة ، أن الدين جاء لحفظ الضروريات الخمس: الدين والعرض ، والمال ، والعقل ، والنفس.
والأمن هو المهمين على حفظها ، فلا تتحقق هذه الضروريات إلا بتحقيق الأمن ، والأمن لا يتحقق إلا بوجود الإمامة ، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة وتحقيق لمقتضياتها ، من إكرام السلطان وعدم إهانته وعدم إثارة الشعوب والغوغاء عليه ، ومن عدم الإنكار العلني ، مما يترتب على ذلك المصالح الكثيرة ودرء المفاسد العريضة ، وهذا أمر مفروغ منه ، وهو من الأمور التي تقررها الشريعة الغراء ، ومنهج السلف الأتقياء ، وكلام العلماء الحكماء.
وقد كتب في هذه الأيام الدكتور محمد على فركوس كتابةً في جواز الإنكار العلني على ولاة الأمر في حالات وضع لها ضوابط ، واستدل على كلامه ببعض المواقف من الصحابة والسلف ، وتنزيل تلكم الآثار على الإنكار العلني في زماننا في غير محله .
والرد عليه من وجوه :-
الوجه الأول : أن مفهوم الإنكار العلني في زماننا هذا قد توسع ، وأصبحت مفاسده ونتائجه سريعة الانتشار والاشتعال ، كالإنكار في منابر الجمعة ، ومنابر الميادين العامة وأجهزة التواصل الاجتماعي ، والكتابة في مواقع الانترنت ، ولا يخفى ما في ذلك من المفاسد العريضة وإثارة الشعوب مما ينافي العقل والعلم والحلم
وقد سلك الدكتور فركوس هذا المسلك في بعض إنكاره على ولاة الأمر ، مما كتبه ونشره علناً كما في هذا الرابط . https://bit.ly/2SPlIfO
الوجه الثاني : أن إنكار الأَّولين على الأمراء إنما كان في حضرتهم وأمامهم لا في غيبتهم ، وهذا من فقه السلف وإدراكهم للمصالح والمفاسد ، وإتباعهم لنصوص الوحي وقواعد الشرع .
الوجه الثالث : أن إنكارهم العلني كان بحضرة أهل فقه وعلم وإدراك للمصالح والمفاسد وليس أمام الرعاع والعوام والجهال ،الذين لا يدركون المآلات ، وهذا ما يحمل عليه إنكار أبي سعيد الخدري على مروان وهو أمير على المدينة ، وإنكار عبادة بن الصامت على معاوية وهو خليفة ، وإنكار ابن عمر على الحجاج مع غلظته وشدته وقوة بأسه على الناس ، وإنكاره على عمرو بن سعيد وهو أمير على المدينة .
فالصحابة رضوان الله عليهم حققوا الأمر الشرعي في الإنكار ، وحملوا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الإنكار العلني مطلقاً بجوازه إذا كان أمام الحاكم لا في غيبته .
الوجه الرابع : أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره ، فالإنكار العلني في زماننا بوسائله المذكورة وما يترتب عليها ولا بد من المفاسد العريضة ، من شحن قلوب الجهال والرعاع ، وما ينتج منه من نزع هيبة السلطان ، أمر لا يفتي به أحد يعرف مقاصد الشريعة وقواعدها النبيلة ، ويدرك المفاسد الكثيرة العريضة التي يترتب وجودها على الإنكار العلني بمفهومه المعروف عند أهل زماننا ، وطرائق أهله .
الوجه الخامس : نحن مأمورون بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على قول ورأي واجتهاد أي أحد . والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الإنكار العلني مطلقاً ، فقد ذكر الإمام الحافظ أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك في كتابه السنة : باب ما يجب على الرعية من النصح لولاتهم وذكر تحته أحد عشر حديثا ، ثم قال : باب كيف نصيحة الرعية للولاة، ثم أورد بسنده إلى شريح بن عبيد قال : قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبد علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه منه له . حديث صحيح صحح إسناده الألباني بمجموع طرقه ، والحديث رواه أحمد في مسنده في قصة أوردها في (3/404،403) بسنده إلى شريح بن عبيد الحضرمي وغيره قال جلد عياض بن غنم صاحب دار حين فتحت فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه ، ثم قال هشام لعياض : ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس، فقال عياض بن غنم: يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت ورأينا ما رأيت ، أو لم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية ، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به ، فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه له ، وإنك يا هشام لأنت الجرئ إذ تجترئ على سلطان الله ، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله في الأرض تبارك وتعالى
59 views00:42