[جمع الياقوت بذكر بعض الفوائد المستفادة من حديث فقىء موسىٰ لعي | الدَّفتر الطّٙرٙابُلُسِيُّ
[جمع الياقوت بذكر بعض الفوائد المستفادة من حديث فقىء موسىٰ لعين ملك الموت]
بِسمِ الله والحمدُ للهِ وصلَّىٰ اللهُ وسلَّم وبارك علىٰ رسُول الله وعلىٰ آلهِ وصحبهِ ومن اهتدىٰ بِهداهـُ.
أمَّا بعدُ:
فقد روىٰ الشيخان فِي صحيحيهما من حديث أبي هُريرة عبد الرحمن بن صخر الدُوسي أنَّ النَّبِي صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم قال: أرسل ملك الموت إلىٰ مُوسىٰ -عليهما السلام- فلما جاءهـُ صكَّه ففقأ عينه فرجع إلىٰ ربِّهِ فقال: أرسلتني إلىٰ عبد لا يريد الموت قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يدهـ علىٰ متن ثور فله بما غطت يدهـ بكل شعرة سنة قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فقال رسول الله -صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم-: فلو كنت ثم لأريتكم قبرهـ إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر.
وهذا الحديث حديث صحيح مشهور أنكرهـ جماهير من الملاحدة والمبتدعة والعقلانيون وقد حوىٰ فوائد غزيرة وفرائد نادرة كثيرة لعلنا نذكر بعضها:
أوَّلًا: فيهِ دليلٌ علىٰ أنَّ الله يبعث ملائكتهُ في صورة آدميين كما أرسلهم لنبيه إبراهيم ولوط ومريم بنت عمران ونبيه محمد عليهم الصلاة والسَّلام والله علىٰ كل شيء قدير.
ثانيًا: أنَّ الله لم يرسل ملك الموت لقبض نبي الله موسىٰ ولم يكن يعرف نبي الله موسىٰ ملك الموت وإنما صكَّه لأنه رأىٰ آدميًا عندهـُ قال الشيخ العثيمين (شرح كتاب الجنائز من صحيح البخاري): وهل كان يعلم أنَّ هذا الرجل جاء من عند الله أو أنَّهُ رأىٰ رجلا يهددهـُ يقول سأقبض روحك فصكَّهُ يحتمل هذا وهذا والثاني أقرب أنَّهُ إنما فعل ذلك دفاعًا عن نفسهِ لو قال له إنَّهُ جاءهـُ من عند الله ليقبض روحه ما صكَّه ولكن لعله جاءهـ وقال إني سأقبض روحك فصكه دفاعا عن نفسه. قلتُ: ولم يعرف نبي الله إبراهيم الملائكة لما جاؤوهـ قال تعالىٰ: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرىٰ قالُوا سلامًا قال سلام فما لبث أن جآءَ بعجلٍ حينئذ فلما رءا أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً…الآية} ولم يعرف نبي الله لوطا الملائكة لما جاؤوهـ قال تعالىٰ: {ولمَّا أن جاءت رسلنا لوطًا سيء بهم وضاق بهم ذرعًا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين}. ولم تعرف مريم بنت عمران الملك لما جاءها قال تعالىٰ: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}
ثالثًا: ثبوت العين لملك الموت قال النبي في الحديث:(فرد الله إليه عينهُ) قال الشيخ العثيمين (نفس المصدر السابق): وهل العين تثبت حينما يتمثل بالبشر أو مطلقًا؟! نقول هذا لا نسأل عنه نروي الحديث كما جاء وهو قد جاء بصورة البشر وعينه عين البشر ورد الله عليه عينه.
رابعًا: أنَّ كرهـ الموت أمرٌ فطري ولا ينافي قول النَّبي (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءهـُ) لأنَّ النَّبي قال لما سألتهُ عائشة أهو الموت كلنا يكرهـ الموت: لا يا عائشة ولكن المؤمن إذا حضر أجله بشرته الملائكة برحمة الله ورضوانه فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءهـ والكافر متىٰ حضر أجله بشر بغضب الله وعقابه فيكرهـ لقاء الله..الحديث.
خامسًا: أنَّ الموت حقٌّ علىٰ كل نفس قال سُبحانهُ:{كُلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت} قال الشَّيخ العثيمين (كما في نفس المصدر): لا بد للإنسان من الموت مهما طالت به الحياة قال الله تعالىٰ: {كل نفس ذائقة الموت} حتَّىٰ عيسىٰ عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان حيًا ثم يموت.
سادِسًا: قال الشيخ العثيمين (كما في نفس المصدر): وخص الثور -في الحديث- إما لأنَّهُ كان المعروف بكثرة في ذلك الزمان وفي ذلك المكان أو يحتمل أن شعر الثور دقيق فيكون ما يحويه يدهـ أكثر عددًا مما لو كان الشعر غليظا.
سابِعًا: أنَّهُ لا يمكن للأنبياء تحديد أرض ليقبضُوا فيها لعموم قولهِ سبحانهُ:{وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت}.
ثامنًا: أنَّهُ لا تعرف قبور الأنبياء علىٰ وجه التخصيص غير رسول الله مُحمَّد -صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم- كما هو الحال مع نبي الله مُوسىٰ فلم يوضح نبينا مكان قبرهـ بالتحديد كسائر قبور الأنبياء الغير معروفة.
هذا وإن الحديث من الأدلة علىٰ نبوة نبي الرَّحمة إذ ما أخبر عنهُ أمر غيبي أوحاهـ الله إليهِ فهو القائل:{وما ينطق عن الهوىٰ إن هو إلا وحي يوحىٰ} وقال النَّبي -صلَّىٰ الله عليهِ وسلَّم-:(ألا إنِّي أوتيت القرآن ومثلهُ معهُ) فالتشكيك فيه أو الطعن فيه طعن في هذا الدين ولا يصدر عن تقي فضلًا علىٰ أن يكون صاحب سنَّة.
واللهُ أعلم وهو أعز وأكرم والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
