Get Mystery Box with random crypto!

المعقِد السَّادس وهو: (رِعَايَةُ فُنُونِهِ فِي الأَخْذِ)؛ أَيْ | 1⃣ تمكين مهمات العلم المستوى 1⃣ المرحلة 1⃣

المعقِد السَّادس وهو: (رِعَايَةُ فُنُونِهِ فِي الأَخْذِ)؛ أَيْ: الإِقْبَالُ عَلَى تَلَقِّيهَا، (وَتقْدِيمُ الأهمِّ فالمهمِّ)؛ أَيْ: تَقْدِيمُ مَا تَشْتَدُّ إِلَيْهِ حَاجَتُهُ، وَتَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ طِلْبَتُهُ.

ثمَّ ذكر أنَّ (الصُّورةَ المستحسَنة يزيد حُسنها) بتَمْتِيعِ (البصر بجميع أجزائها، ويفوتُ من حُسنها عند النَّاظر بِقَدْرِ ما يحتَجِبُ عنه من أجزائها، والعلمُ هٰكذَا)، فإنَّ مَنْ أخذَ منه طرفًا في كلِّ فنٍّ رأى جمالَ العلمِ أكثرَ ممَّنْ يقصُرُ نفسَه على بعضِ فنونِه أو فنٍّ واحدٍ منها.

فمَن رعى فنُونَه بالأخذِ، وأصابَ من كلِّ فنٍّ حظًّا كَمُلَتْ آلتُه في العلم.

قال ابن الجوزيِّ: «جمعُ العلومِ ممدوحٌ»).

ثمَّ ذكر بيتًا لابن الورديِّ يقول فيه:
(مِن كلِّ فنٍّ خُذْ ولا تجهل بهِ فالحُرُّ مطَّلعٌ على الأسرارِ

ثمَّ ذكر وصيَّتين عظيمتينِ من وصايا العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَانِعٍ رحمه الله في«إِرْشَادِ الطُّلَّابِ» - وهو كتابٌ عظيم النَّفع في تحصيل العلم وأدبه -:

الأُولَى: أَنَّهُ (لَا يَنْبَغِي لِلَفَاضِلِ أَنْ يَتْرُكَ عِلْمًا مِنَ العُلُومِ النَّافِعَةِ).
وذكر شَرْطَ ذَ ٰلِكَ بقوله: (إذَا كاَن يعلم من نفسه قوَّةً علَى تعلُّمه) وتقدير القُوى يكونُ بإرشاد المعلِّمين.

والثَّانِيَةُ: أَنَّهُ (لَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَعِيبَ العِلْمَ الَّذِي يَجْهَلُهُ وَيُزْرِيَ بِعَالِمِهِ).
أَيْ: يَحُطَّ مِنْ قَدْرِهِ، وعلَّله بقوله: (فإنَّ هٰذَا نقصٌ ورذيلةٌ).

وقال بعدُ: (فالعاقل ينبغي له أن يتكلَّم بعلمٍ أو يسكت بحلمٍ)، فَإِنَّ الكَلَامَ يُمْدَحُ إِذَا كَانَ بِعِلْمٍ، وَالسُّكُوتُ يُمْدَحُ إِذَا كَانَ بِحِلْمٍ.

رعَايَةَ فُنُونِ العِلْمِ تَنْفَعُ بِاعْتِمَادِ أَصْلَيْنِ:

أحَدُهُمَا: تَقْدِيمُ الأَهَمِّ فَالمُهِمِّ، فالمرادُ من أخذِ العلمِ أن تعرفَ مَا تعبدُ بهِ اللهَ عزوجل.

والآخَر: أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ فِي أَوَّلِ طَلَبِهِ تَحْصِيلَ مُخْتَصَرٍ فِي كُلِّ فَنٍّ، ثمَّ (إذا استَكمَلَ أنواعَ العلومِ النَّافعة، نظرَ إلَى ما وافقَ طبعَه منهَا، وآنسَ مِن نفسِه قدرةً عليهِ بإرشاد شيخهِ.
ثمَّ ذكر بعدَ ذَلِكَ أنَّ المتعلِّمَ ينظرُ في ما يمْكِنُه من تحصيل العلوم (إفرادًا للفنون ومختصراتها واحدًا بعد واحدٍ، أو جمعًا لها، والإفراد هو المناسبُ لعمومِ الطَّلبة، فيعمَد إلى مَتْنٍ في فنٍّ فيتلقَّاه، حتَّى إذا اسْتَوفَاه انتقلَ إلى متنٍ في فنٍّ آخرَ، ثمَّ إذا اسْتَوفَاه انتقلَ إلى متنٍ في فنٍّ آخرَ ممَّا يحتاجُه ويفتقرُ إليه.
ولا يحبِس نفسَه على علمٍ واحدٍ حتَّى يبلغَ غايتَه؛ فإنَّ هٰذَا يطولُ ويُضيِّعُ به ما يلزمُه.

ثمَّ ذكر بيتيْنِ في الإرشاد إلَى ذَلِكَ إذ يقولُ صاحبهُما:

(وإن تُرِدْ تحصيل فنٍّ تَمِّمَهْ وَعَنْ سِوَاهُ قَبْلَ الانْتِهَاءِ مَهْ)
(مَهْ): وهي كَلِمَة زَجْرٍ؛ أَيْ: انْتَهِ عَنْ ذَ ٰلِكَ، فلا تَدخُلْ في غيرِه حتى تُتِمَّه.

ثمَّ قال:
(وفي تَرَادُفِ العُلُومِ المنعُ جَا إن توأمانِ استبقا لن يخرجَا)

أي: شبَّهَهُ بالولَدَينِ الخَارِجَينِ من بطن الأمِّ، فإنَّهما إذا ازدحَمَا عندَ بابِ الرَّحم لم يخرجا، وعَسُر ميلادهُمَا بخلاف ما إذا خرج أحدُهُما ثمَّ خرج الثَّاني، فكذَ ٰلِكَ أخذُ العلمِ إذَا كانَ على هٰذِهِ الحال من تَتْميم شيءٍ، ثمَّ الانتقالِ إلى غيرهِ انتفع بهِ العبدُ.