2019-06-15 18:13:02
نام فسُرقت حبيبته
بقلم/ رضا الجنيدي
علَّمتنا الحياة أنَّ غفلة ونوم الحراس يُغري اللصوص ويمهد لهم طريق السرقة والاختلاس، والساذج من ظنَّ أن اللص سيتورع عن السرقة رفقا بهذا الحارس المستغرق في نومه وعطفا عليه، فلماذا يغفل بعض رجالنا - هداهم الله- عن حراسة قلوب زوجاتهم، ويتركون أبوابها مفتوحة أمام عمالقة الاختلاس؟!
لماذا لا ينتبهون إلى أنَّه ما مِن زهرة إلا وهي بحاجة إلى الارتواء، وأن البشر بشر في كل زمان ومكان، وأنهم قد يتعرضون للوقوع في فخ المعصية إذا طال بهم الحرمان؟!
ينشغل بعض الأزواج بعملهم وينهمكون فيه بكل كيانهم، معتقدين أنهم بذلك يبنون مستقبل أسرهم، ويحققون السعادة لزوجاتهم!
يدورون في دوامة الحياة من أجل تحقيق الحياة الكريمة والرغدة لهم، وينسون في خضم هذا الكفاح أن هذه الزوجة إنسان يحتاج إلى الكلمة الطيبة، واللمسة الدافئة، والاحتواء، وأنها زهرة لابد لها من الارتواء.
لا ينتبه هؤلاء إلى أن طبيعة النساء تختلف عن طبيعة الرجال، وأنهن لا يستطعن عادة أن ينشغلن عن مشاعرهن مهما تعددت أدوراهن أو زادت مهامهن؛ فتكون نتيجة عدم هذا الانتباه -في بعض الأحيان- أن ينزلق قلب الزوجة ويغرق في حب رجل آخر غير زوجها، فهل يرضيك ذلك أخي؟
هل يرضيك أن تكتشف أنَّ زوجتك فضَّلت سائقها عليك لأنَّه اهتم بها وشاركها همومها ورفع قدرها، ومدح جميل صفاتها، وأشبعها عاطفيا بينما أنت تصر على اشباعها ماديا فحسب؟!
هل سيرضيك أن تكتشف أنَّ زوجتك على علاقة بأخيك أو صديقك لأنَّه احتواها وكان دائم القرب منها بينما انت غارق في عملك في غربتك لا تركز الا مع توفير المال لأسرتك؟!
لماذا تغفل عن قلب زوجتك ولا تهتم بِحُسن حراسته؟!
لماذا هذا النوم العميق الذي يفتح الباب للسارقين ليختلسوا أفضل ما لديك؟!
لماذا تترك زوجتك مع سائقها بمفردهما، وتفتح لها المجال للاختلاط بإخوتك أو أصدقائك وتنسى أننا مهما كان حجم تديننا فإننا بشر معرضين للضعف والخطأ؟!
انتبه ولا تعرض زوجتك للحرمان كي لا تفتنها في دينها وفي نفسها، واحذر أن تفتح لها أبواب الفتنة بحسن نيتك.
انتبه كذلك لزهرتك ولا تجعل كلماتي سببا في تضييق الخناق عليها وسجنها في سجون مظلمة كي لا تتسلل زهرتك نحو أول شعاع ضوء قادم نحوها.
اقرأ كثيرا عن الاحتياجات النفسية والعاطفية للمرأة كي تحسن حراسة لؤلؤتك، وكي يمكنك حماية زهرتك في زمن صارت الفتن تحيط فيه بالنساء من كل اتجاه كما تحيط بك أيها الرجل.
أما أنت يا زهرتي الرقيقة فأقولك لك:
مهما كان حجم حرمانك وتقصير زوجك معك، وإهماله لقلبك ومشاعرك صوني نفسك من الوقوع في مستنقع الخيانة، وتذكري أن الزهرة النقية لا يمكن أن تنشر عبيرها لرجل غير زوجها حتى وإن كان زوجها معرضا عنها أو كان فظا غليظ القلب معها.
تذكري أن المرأة المسلمة زهرة قوية تصون نفسها وتعتز بكرامتها وأنوثتها وحيائها وخلقها ودينها.
فيا زهرتي الرقيقة كلما ضاقت عليك الأرض بما رحبت تذكري كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك فنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن محادثته، فاعتزله الجميع، حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه التي بين جنبيه فإذا بالفتنة تعرض نفسها بقوة عليه حين جاءه نبطي من نبط الشام بكتاب من ملك غسان يقول له فيه: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بلَغَنَا أَن صاحِبَكَ قدْ جَفاكَ، ولمْ يجْعلْك اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيعَةٍ، فَالْحقْ بِنا نُوَاسِك"
قرأ كعب الرسالة ولم يسمح لنفسه أن يفكر حتى في محتواها بل أخذها وحرقها مباشرة.
أرأيتِ كيف أنَّه عندما لاحت لكعب فرصة في الأفق يبدو أنها ستعوضه عن هذا الحرمان الذي يعانيه لم يهرول إليها انتصارا للذات الجريحة أو مواساة للنفس الحزينة وتعويضا لها عما تعانيه، ولكنه أدرك أنه في مفترق طرق فإما أن يثبت أمام قسوة هذا الاختبار وإما أن يسقط ويُعرض دينه للانهيار فما كان منه إلا أن أحرق فورا هذه الدعوة الخبيثة التي ترتدي ثوبا جميلا يخفي وراءه عالما من القبح؛ فأغلق أبواب الفتنة في الحال، وهكذا يصنع المؤمنون فمهما حاوطتهم الابتلاءات الشديدة فإنهم يحرصون على حماية أنفسهم من الانزلاق في دنس المعصية والخيانة والفتن.
هذه هي الزهور التي تُفضل أن تموت ولا تُسقَى قلوبها بحب غير طاهر؛ فانتبهي يا زهرتي الرقيقة ومهما غفل حارس قلبك عن حراسته، ومهما حرمك البستاني من حقك في الارتواء كوني قوية بدينك ومبادئك وافعلي كما تفعل المؤمنات الذكيات فإنهن حين يعانين أشد الحرمان يلجئن إلى الله بصادق الدعاء وينشغلن عن معاناتهن بتطوير أنفسهن، ونفع غيرهن لأنهن يعلمن أنهن أسمى من التفكير في الوقوع في مستنقع الخيانة، ولأن المبادئ والقيم عندهن لا تتجزأ، والحرمان في نظرهن لا يبرر الخيانة.
هن يحولن المحنة إلى منحة ويجعلن هذا الحرمان بمثابة المصباح الذي يضيء لهن طريق التميز والارتقاء، فكوني مثلهن تسعدي.
وأنت أيها البستاني الحكيم اسق زهرتك، وصن جوهرتك، وأتقن دورك كزوج لتسعد بحياتك وتسعد أسرتك.
421 views15:13