لَم تَنسى أبداً تلكَ الليلة التي وَدّعها فيها دُونَ أن تَشعُر؛ | الُـ مٌـلُتْقًى الُـجْـنَةِ
لَم تَنسى أبداً تلكَ الليلة التي وَدّعها فيها دُونَ أن تَشعُر؛ جاءها باسماً على غَير العادة؛ قال ؛أمّاه اريد كوباً من القهوة من صنع يداكِ؛
أعدّته له؛ ونظرت له نظرة وَجلة؛ هكذا قَلب الأم يسمع ما لا يُحكى؛ ويشعر بما لا يُرى؛ قالت؛ فلان (هكذا هي حين تخاف أن يفعل مايزعجها؛ تناديه بإسمه لا بقول بُنَي) ؛ أتُخفي عنّي شَيئاً؟ تبسّم وقال: يا قرة عيني قَد أبصرتُ طَريقي أخيراً؛ ولله الحمد؛ ودّعتُ طَيش الشباب يا أمّاه؛ وأريد أشتغل بالتجارة؛ وأجمع مَهر محبوبتي؛لأتزوج
-حمدت الله في سرّها وهي تقول لنفسها الحمد لله عَدَل ابني عن الهِجرَة- ؛؛؛؛؛؛؛؛ استيقظت صباحاً وأعدّت له القهوة كما يحبها تماما؛ فتحت باب الغرفة؛ لم تَجده؛ وبحثت عنه، دون جدوى؛ تمتمت اللهم اني استودعك اياه؛ هكذا هي طيلة الوقت تدعو له بذلك؛
أدري أنّكِ لا تُطيقين غِيابي؛ لكنني ما خرجت إلا لأعود فاتحاً؛ وإن لم أعد فسَنلتقي حيث لا فراق؛- ابتلت الورقة بعبراتها دون أن تشعر؛ جلست على درج صغير على مدخل البيت؛ وضمّت الورقة لصدرها؛ هذا كلّ ما بَقي لها منه؛
اصبحت تتابع شَريط الأخبار تَبحث عن عينيّ غريب لن يميزها أحد سواها تصغي لأصوات المجاهدين بقلبها، علها تسمع صوت فلذة كبدها، عيناها ترقبان الطّريق كلّ يَوم؛ تلاحق قوافل العائدين؛ أما رأيتم غربياً مهاجراً ؛ يحمل رُوحه على كفّه؛ لا يخشَى الردى؛ عيناه حَزينتان؛ وعلى وجنتيه نقش للكرامة عنوان؛ أما رأيتم طفلا صغيرا شبّ في رمشة عين؛ وسار على درب الفاتحين؛ أما رأيتم أسداً هصورا ربّيته بيديّ هاتين؛
تمضي السنون؛ عام بعد عام؛ تَبكي درجات البيت وينوح الحمَام؛ شاب الرأس وَذاك الغائب ما عَاد؛ أتُراه حَيّاً مازال؛ أو لعلّ العَدو نال منه؛ أو رصاصة رفيق إغتالته بلحظة غدر؛ او لعله سجل إسمه في قائمة الإستشهاديين فاقتحم الموت؛ واختار لحظته الفاصلة؛ ليرسم في سماءنا شمساً تَحرق الجبان الكفور؛؛
