بقلم د. عبدالقادر السعيد الهدوء ... إبحث عن الهدوء حيثما كان | 👑 يمنات Yemanat 👑
بقلم د. عبدالقادر السعيد الهدوء ... إبحث عن الهدوء حيثما كان، عن راحة البال حيثما كانت، هذا أمرٌ لابد أن تفعله في حياتك القصيرة، وإلّا ستكون حياتك أقصر. إذا بلغت الأربعين من عمرك ولم يعم الهدوء في حياتك، ولم تظلّل السكينة أجواءك، فاعلم أنّ جزء من عذاب الأخرة ربماقد قُدّم لك. الهدوء ثم الهدوء فلسفة حياة، لاشيء يستحق أن تزعج سلامك الداخلي. الضوضاء عذاب وتلوّث، والفوضى مؤلمة، وأكثرها إيلاماً إن كانت ممن احسنت بهم ظنّاً فلم يكونوا عند مستوى الظن، أما لو كان الإزعاج والنّكد من قريب أو من شخص أجبرتك الحياة على ملازمته فقد وقعت في الجحيم مبكراً فحاول الخلاص كيفما اتفق. كثرة الكلام ورفع الأصوات وخلق حالة من الزعيق والزعيق المضاد أمر ممقوت حتى لو كان الأمر في الخير، وعُمر الخير ماكان بكثرة الكلام أو برفع الأصوات، حتى ذِكر الله تعالى وهو خيرٌ كله لابد أن يكون "ودون الجهر من القول". اصمت واهدأ،، فليقل الناس عنك بارد أو متكبر أو مغرور أو غامض، لاتفكر فيهم ولا تسمع لهم مادمت تعيش في هدوء، ....لن يضرك كلامهم. ياصديقي، حتى جنة الله التي وعد عباده، أغراهم فيها بالهدوء فقال" لاتسمع فيها لاغية" وأضاف في ثلاثة مواضع أخرى في سورة مريم" لايسمعون فيها لغواً إلا سلاما.."، وفي سورة الواقعة " لايسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، إلا قيلا سلاما سلاما" وفي سورة النبأ " لايسمعون فيها لغواً ولا كِذّابا"... واللغو: هو الكلام الذي لاحاجة لك به والثرثرة التي لا طائل من ورائها وهذا يعني انتفاء كل مايكدر صفوك ويزعج دماغك هناك..، فابحث عن جنّتك هنا واجتنب النكد والنّكدِين والمُنكدِّين حتى ولو كانوا أقرب الناس إليك، مالم يكن في رقبتك دين لهم كأبويك أو رعاية مُستحقة لهم كأطفالك، أما غير ذلك فدع واقطع. في بيتك حاول أن تخلق حالة من الهدوء والترتيب، إن استطعت، ولن تستطع ذلك طبعاً، لأنك لن تجد من يعينك، فإن وجدت من يعينك، فاعلم أنك في نعمة يحسدك عليها ملائكة السماء، وقلّ أن يهب اللهُ هذه النعمة في الدنيا، لأنّ الدنيا دار امتحان، وإحلال الهدوء فيها هو السؤال الأول الإجباري الذي ستفشل فيه. لاتسكن الشارع الذي فيه ضجيج، إلا إذا أجبرك الشديد القوي من الظروف، ولا تمش في الطريق الذي يزدحم فيه الناس وتعلو في الأصوات إن وجدت غيره، اسلك كل درب جميل هاديء. ستذهب للعمل وستجد ذلك الزميل الذي يرى الشغل كل حياته، بينما ترى الشغل جزء من حياتك، ستجده يُحدث كلّ ضجة ويفتعل كل مشكلة ويُوشي بكل من حوله ليصل وليتصدر، يتقفز كقرد ويختال كعارضة أزياء، مثل هذا لا تقترب منه إلاّ للضرورة التي يوجبها العمل ثم دعه، الزمن كفيل بتربيته وأمثاله. في هذا الفضاء الأزرق الذي يتنفس فيه الناس بعد أن خنقتهم الحياة وفي السوشيال ميديا عموماً، إن صادفت من يريد أن يكون عليك وصياً، أو يضايقك كلما قلت، أو يتجنّى عليك كلما همست، أو يعلّق بكلام خارج سياق الأدب العام متجاوزا المعايير الإنسانية المتفق عليها فاركنه في دكة الحظر حتى ينهق حمار البحر .. ارح بالك منهم! إن وجدت هدوء نفسك وراحة قلبك في البيت فامكث، وان وجدت ذلك خارج البيت فلا تعد إلا لحاجة. إن وجدت الراحة في سماع القرآن فاسمع وإن رغبت في سماع الموسيقى فلا يوجد مايمنع، إن وجدت الهدوء في البحر فاقعد أمامه وبعثر فوضاك فيه، واكشف له سر قلبك ليسبح سرّك في أسراره، تنفّس مع نسيمه وتقلّب على شاطئه كما يفعل الأطفال، وعش لحظات صفاء وهدوء. وإن كانت الجبال الخضراء تبعث فيك الطمأنينة فعانقها وشم ما استطعت من عطر أعناقها، تسلقها مع زملائك الطيبين، اصعد فيها حتى تطأ السحاب وعش هناك قليلاً بهدوء وتأمُّل. زر كل حديقة يسكن فيها الجمال ويظللها الوقار وتضج في جنباتها فخامة الهدوء المتسق، عش لحظتك هناك بهدوء. اذهب الى الصحراء، اسمع لصمتها العجيب، بعثر الرمال بيديك، انثر بعضه على رأسك، تمرغ فيه كما يتمرغ القط، عش بداياتك، البدايات الحبيبة بعيدًا عن ضجيج الآلة و خرس الخرسانة. إن مررت بحقول خضراء فاحشر نفسك في لونها، تلمّس الهدوء في ظلالها، مد يديك وخذ من طينها، شمّ مادتك وتيمّم، ستجد فيها رائحة الأب وبخور الأم. سيقول لك قائل إنّ الحياة كفاح ومغامرات وهي كذلك، ولكن...كافح بصمت، وغامر فيها بهدوء، وعش ضمن الكون الفسيح بهدوء حتى يأتي الهدوء. #ماكتبتُه
