2022-08-25 05:54:58
هدايات قرآنية
أعذار المشركين يوم القيامة
قال تعالى: ﴿أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتا عَلى ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرينَ * أَو تَقولَ لَو أَنَّ اللَّهَ هَداني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقينَ * أَو تَقولَ حينَ تَرَى العَذابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكونَ مِنَ المُحسِنينَ﴾ [الزمر: ٥٦-٥٨]
وفيها من العلم:
وحاصِلُ الكَلامِ أنَّ هَذا المُقَصِّرَ أتى بِثَلاثَةِ أشْياءَ؛
◆أوَّلُها: الحَسْرَةُ عَلى التَّفْرِيطِ في الطّاعَةِ.
◆وثانِيها: التَّعَلُّلُ بِفَقْدِ الهِدايَةِ إلى التوحيد.
◆وثالِثُها: بِتَمَنِّي الرَّجْعَةِ.
ثُمَّ أجابَ اللَّهُ تَعالى عَنْ كَلامِهِمْ بِأنْ قالَ: التَّعَلُّلُ بِفَقْدِ الهِدايَةِ باطِلٌ؛ لِأنَّ الهِدايَةَ كانَتْ حاضِرَةً والأعْذارَ زائِلَةٌ.
ويدخل في الآيات عامة المشركين من اليهود والنصارى والوثنيين، والمشركون من هذه الأمّة، وقال تعالى: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَومًا بَعدَ إِذ هَداهُم حَتّى يُبَيِّنَ لَهُم ما يَتَّقونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ [التوبة: ١١٥].
وقال تعالى: ﴿وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ﴾ [الأنفال: ٢٣].
فالجميع على ضلال، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا بَعيدًا﴾ [النساء: ١١٦].
وقال تعالى: ﴿فَريقًا هَدى وَفَريقًا حَقَّ عَلَيهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ [الأعراف: ٣٠].
وقال تعالى: ﴿فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾ [يونس: ٣٢].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ فَمِنهُم مَن هَدَى اللَّهُ وَمِنهُم مَن حَقَّت عَلَيهِ الضَّلالَةُ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ﴾ [النحل: ٣٦].
وقال تعالى: ﴿يَدعو مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ البَعيدُ﴾ [الحج: ١٢].
وقال تعالى: ﴿وَما أَنتَ بِهادِي العُميِ عَن ضَلالَتِهِم إِن تُسمِعُ إِلّا مَن يُؤمِنُ بِآياتِنا فَهُم مُسلِمونَ﴾ [النمل: ٨١].
وقال تعالى: ﴿قالوا أَوَلَم تَكُ تَأتيكُم رُسُلُكُم بِالبَيِّناتِ قالوا بَلى قالوا فَادعوا وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلّا في ضَلالٍ﴾ [غافر: ٥٠].
وقال تعالى: ﴿قالَ قَرينُهُ رَبَّنا ما أَطغَيتُهُ وَلكِن كانَ في ضَلالٍ بَعيدٍ﴾ [ق: ٢٧].
فمن قال؛ إنّ عُبّاد القبور ليسوا على ضلال فهو مكذّب لله.
أو قال؛ إنّهم تحت المشيئة فهو مكذّب لله.
أو قال؛ نفوّض أمرهم إلى الله، فهو لم يحقق التوحيد ملّة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: ﴿قَد كانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إِذ قالوا لِقَومِهِم إِنّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ كَفَرنا بِكُم وَبَدا بَينَنا وَبَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضاءُ أَبَدًا حَتّى تُؤمِنوا بِاللَّهِ وَحدَهُ إِلّا قَولَ إِبراهيمَ لِأَبيهِ لَأَستَغفِرَنَّ لَكَ وَما أَملِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيءٍ رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَإِلَيكَ المَصيرُ﴾ [الممتحنة: ٤].
وقال ابن القيّم -رحمه الله-: "ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَشْعُرُونَ بدُخُولِ الواقعِ تَحْتَهُ وتَضَمُّنِهِ لَهُ، ويَظُنُّه في نوعٍ وقومٍ قَدْ خَلَوا مِن قبلُ ولم يُعَقِّبُوا وارِثًا، وهذا الَّذي يَحُولُ بينَ القَلْبِ وبينَ فَهْمِ القرآنِ، ولَعَمْرُ اللهِ إنْ كانَ أولئك قد خَلَوا، فقد وَرِثَهُم مَن هو مثلُهُم وشرٌّ منهم ودونَهُم، وتَنَاوُلُ القرآنِ لهم كتَنَاوُلِهِ لأولئك، ولكنَّ الأمرَ كمَا قالَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إنَّما تُنْقَضُ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوةً، إذا نَشَأَ في الإِسْلامِ مَنْ لم يَعْرِفِ الجاهليَّة). وهذا لأنَّهُ إذا لم يَعْرِفِ الجاهليَّةَ والشِّرْكَ، وما دَعَا بهِ القرآنُ وذَمَّهُ، وَقَعَ فيه وأَقَرَّهُ، ودَعَا إليه وصَوَّبَهُ وحَسَّنَهُ، وهو لا يَعْرِفُ أنَّهُ الَّذي كانَ عليهِ الجاهليَّةُ، أو نَظِيرُهُ أو شرٌّ منه أو دونَهُ، فتُنْتَقَضُ بذلك عُرَى الإسلامِ، ويَعُودُ المَعْرُوفُ مُنْكَرًا، والمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، والبِدْعَةُ سُنَّةً، والسُّنَّةُ بدعةً". [انتهى من مدارج السالكين (344/1)].
276 views02:54