Get Mystery Box with random crypto!

استدل هؤلاء الغلاة على فِريتهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم | فتاوى د. يوسف الرخمي

استدل هؤلاء الغلاة على فِريتهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قاله في غدير خم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهو حديث مختلف في صحته رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، ورجح ضعفه الزيلعي والبخاري وإبراهيم الحربي، ومال إلى تصحيحه الذهبي وهو قول العلامة الألباني، وأما زيادة: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فقد رواها أحمد وابن ماجه، واختلفوا في صحتها أيضا، وحكم لها بالصحة الذهبي والألباني وأحمد شاكر بمجموع طرقها، وأما زيادة (وانصر من نصره، واخذل من خذله) فلا تصح، وليس في شيء من تلك الروايات ما يدل على الوصية بالخلافة لا من قريب ولا من بعيد، وبيان ذلك من خلال النقاط التالية:

أ- المراد بالموالاة هنا المحبة والمودة والنصرة، وسياق القصة المذكور سابقا في بيان سبب الحديث يدل دلالة واضحة على ذلك، ويشهد لذلك أيضا قوله: (اللهم وال من والاه) أي انصر وأحب من ينصره ويحبه، ولا يمكن حمله على الولاية بمعنى الخلافة كما هو ظاهر، ولذا قال بعده (وعاد من عاداه)، وهذا المعنى قد ورد في قوله تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) أي ناصر ومؤيد المؤمنين وليس للمشركين من ينصرهم ويؤيدهم، وكذا قوله تعالى: (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)، وقوله: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)، علما بأن كلمة (المولى) لها ستة عشر استعمالا ومعنى لغويا، ذكر ذلك ابن الأثير في غريب الحديث، ويحدّد المعنى المراد سياق الكلام الوارد فيه، ولكن الغلاة تركوا ذلك كله وتمسكوا بما يدعم بدعتهم فقط.

ب- إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بكلامه هذا الخلافة فلماذا لم يعبّر عن ذلك بلفظ صريح وواضح، كأن يقول مثلا: أنت الخليفة من بعدي، ونحو ذلك، وإنما لجأ إلى لفظ محتمل في أمر خطير كهذا وهو أفصح الناس، ويكون بهذا قد تسبّب بكل هذا الخلاف والنزاع في الأمة؟!

ج- لو كان الحديث متعلقا بالخلافة والولاية العظمى لاستغل النبي صلى الله عليه وسلم وجوده في موسم الحج وفي خطبة الوداع والناس يومئذ نحو مائة ألف من أنحاء الجزيرة العربية، فلماذا يترك هذه الفرصة الذهبية ويتأخر في هذا البلاغ المهم حتى يغادر الحجاج ويغادر هو مكة ويبتعد عنها عشرات الكيلوهات حيث غدير خم مع نفر قليل من أصحابه الذين قدموا معه من المدينة؟!

دـ لماذا لم يذكر أحد من الصحابة هذه الخلافة المزعومة وهم عشرات الآلاف؟! وهل يعقل أنهم جميعا بدون استثناء قد نسوا ذلك؟ أو تواطئوا على كتمانه؟ ولماذا لم يذكر أحد ذلك لا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوم السقيفة الذي تمسك فيه المهاجرون بأحقيتهم في الخلافة وتمسك الأنصار بأحقيتهم، ولم يثبت أن أحدا منهم ولا من أهل البيت قد استدل بهذه الرواية، بل قد ورد عكس ذلك كما روى البخاري في صحيحه أن العباس قال لعلي رضي الله عنهما في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه: إني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا؛ إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا دليل صريح على أن العباس وعليا لم يكن أحد منهما يعرف من هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هـ- كيف يقوم علي بمبايعة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان على الرغم من أنه خليفة منصوص عليه بحسب زعمهم؟! وهل تعمّد بذلك مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟! ولماذا لم يحتج بهذا الحديث حين وقع الخلاف في اختيار الخليفة بعد عمر رضي الله عنه، وحين انحصرت المنافسة بينه وبين وعثمان؟!

و- كيف يوافق علي بأمر التحكيم بينه وبين معاوية ما دامت ولايته بأمر الله، ومنصوصٌ عليها من الله؟! أليس هذا عصيان لأمر الله؟!

ز- كيف يقبل عليٌ أن يزوج ابنته من عمر رضي الله عنهم وهو مخالف لأمر الله وعاص له باغتصاب الخلافة منه كما يزعمون؟!

ح- الولاية عند غلاة الشيعة من أصول الدين وليست من الفروع، فلماذا لم تنزل فيها آية صريحة أو حتى حديث صريح وهي بهذه الأهمية عندهم، مع أنه قد ذُكرت بيعة الرضوان في القرآن وهي أقل شأنا وأهمية من بيعة الخلافة؟!

لنفترض جدلا أن هناك نصوصا نصت على خلافة علي رضي الله عنه فما فائدة الاحتفال سنويا بهذه المناسبة وقد تُوفي علي وجميع الصحابة رضي الله عنهم منذ 1400 سنة، ولم يعد هناك من فائدة للتذكير بهذا؟! إلا أن يكون المراد إيغار الصدور، ونشر الخلاف، وزرع الفتنة، أو التسلط على رقاب الناس بمثل هذه القضايا التي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، سواء صح ما يزعمون فيها أو لم يصح.

والله المستعان.