Get Mystery Box with random crypto!

#راية_الإصلاح #جديد_المقالات: (تزكية وآداب) الاعتداد بالنفس بق | 🔥قناة الشهب المحرقة في كشف المفرقة🔥

#راية_الإصلاح
#جديد_المقالات: (تزكية وآداب)
الاعتداد بالنفس
بقلم: توفيق عمروني
* نشر في العدد (29) من مجلة الإصلاح
***
إنَّ من أسوأ ما يُصابُ به المنتَسب إلى العلم والدَّعوة إلى الله تعالى أن يكون معتدًّا بنفسه إلى حدِّ الغُرور والعُجب، المفضي إلى احتقار الغَير وغمط فضلِ النَّاس والحطِّ من شأنِهم؛ ومداخل هذا الدَّاء كثيرة من أهمِّها: الرَّغبة في الدُّنيا، وطلب الرِّياسة والمحمَدة، والتَّكثُّر بالأتباع، وجحد فضل العالم وسبقه وتقدُّمه، وسوء الظَّنِّ به وغمزِه؛ فإذا ألمَّت أحدُ هذه الآفات بقَلب عبد فقَد أُصيب في مقتَل، فكيف إذا اجتمعت وهي تجتمع لا محالةَ؛ لأنَّ سريانَ إحدَاها يستَتبع الَّتي تليها؛ والَّذي يدفع أوضَار هذا السَّقم وأوحَاله هو شهود العبد لربِّه أنَّه الغنيُّ عن كلِّ ما سواه، وشهادته على نفسِه أنَّه الفقير المحتاج إلى ربِّه كلَّ لحظة وكلَّ حينٍ، وأنَّ الخير كلَّه بيد الله، وأنَّ النِّعمةَ كلَّها من عند الله، وأيُّ شيء يصيبُه من ذلكَ إنَّما هو تفضُّلٌ ومنَّةٌ منه سُبحانه وتَعالى؛ وعندها يدرك أن ليسَ لنفسه فضل على أحدٍ يجب أن يوفَّى أو حقٌّ على الخلق يجبُ أن يؤدَّى، قال ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ : «العارفُ لا يَرى لهُ على أحدٍ حقًّا، ولا يشهَد له على غَيره فضْلًا؛ ولذَلك لا يعاتبُ، ولا يطالبُ، ولا يضاربُ»» [«مدارج السالكين»: (1/519)].
فالَّذي يملأ الدُّنيا معاتبةً ومطالبةً ومضاربةً، ولا يعترف بخطأ، ولا يرجع عن زلل، ولا يشكر ناصحًا، بل يستَجمع أتباعَه ويهيِّج أشياعَه، ويصوِّب سهامه إلى ناصحيه، الَّذين ـ في زعمه ـ لم يفهموا قصدَه ولم يدركوا مرامَه، وأنَّهم هضَموه حقَّه؛ فيكثُر تَشغيبُه وتهويله، ولا يعبأ بحرمات مرعيَّة، ولا بآداب شرعيَّة، وهذا كلُّه بسبب الغلوِّ في الاعتداد بالنَّفس الَّذي يُسدِل غشاوةً على قلب الإنسانِ وبصره، فيُحال بينه وبينَ سماع الحقِّ وقَبولِه والإذعانِ إليه، وتسوء ظنونُه فتَضطرب أحكامُه، وتتناقض أقوالُه، ويبتَعد ممَّن كانَ منه قريبًا، ويقتربُ ممَّن كانَ عنه بعيدًا، ويشتَدُّ في موطِن اللِّين، ويلينُ في موطِن الشِّدَّة، لا همَّ له سوى الانتصار وتحقيق الغَلبة ولو في عالم التَّوهُّم والافتراض.
ولو تأمَّل في حاله وصنيعه لألفاه جارًّا لألوانٍ منَ المفاسد والشُّرور عليه وعلى غيره، وقَد صدق ابنُ المبارك رحمه الله لمَّا عرَّف العُجب: «أَنْ تَرى أنَّ عندَك شيئًا ليس عندَ غيْرِك»، ثمَّ قال: «لا أعلمُ في المصلِّين شيئًا شرًّا منَ العُجْب» [«السير» (8/407)].
إنَّ العلم النَّافع يورث صاحبَه الالتفات إلى عيوب نفسه ونقائصها، حتَّى يتهاوى في عينه المنصب والجاه والمنزلة وجميع حظوظه النَّفسيَّة، ولا يشهد إلَّا فضلَ الله عليه ونعمتَه؛ فهذا شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله الَّذي بلغ في العلم والعَمل مبلغًا عظيمًا، نقل تلميذه البار ابنُ القيِّم في «مدارج السَّالكين» (1/520) عنه أنَّه كانَ يقول كثيرًا: «ما لي شيءٌ، ولا منِّي شيءٌ، ولا فـيَّ شيءٌ؛ وكانَ كثيرًا ما يتمثَّل بهذَا البيت:
أنــا الـمُـكَــدِّي وابنُ الـمـكَـــدِّي//وهـــكــذَا كـــانَ أبـــي وجـــدِّي»
والمكدِّي هو الّذي قلَّ خيره، والله الهادي.