Get Mystery Box with random crypto!

مسائل في الفتيا [دائرة الإفتاء أوسع من دائرة المعتمد ] مما | دار التزكية

مسائل في الفتيا

[دائرة الإفتاء أوسع من دائرة المعتمد ]

مما ينبغي التنبه له في زماننا أن دائرة الإفتاء أوسع من دائرة المعتمد في المذهب

وذلك لأن الإفتاء على نوعين:

١- إفتاء مطلق: وشرطه ألا تخالف الفتيا نصًا أو إجماعًا أو قياسًا جليًا أو قاعدة كلية

نص على ذلك الأئمة : العز بن عبد السلام والقرافي وابن دقيق العيد والسبكي رحمهم الله تعالى
وهذه المسائل تجدها شاذة بمرة اشتد نكير العلماء عليها حتى كاد الإجماع ينعقد على خلافها .

٢- إفتاء مقيد : وذلك يكون بتولية الدولة مفتيًا على مذهب معين ولنقل على مذهب الشافعي مثلا
فهذا المفتي الشافعي المعيّن له حالات:

أ- إن لم يبلغ المفتي رتبة الترجيح: فلا يجوز له الإفتاء بغير المعتمد

ب- إن بلغ المفتي رتبة الترجيح: فيجوز له أن يفتي بقولٍ في مذهبِه مخالفٍ للمعتمدِ ما دام هذا القول المفتى به له دليل قوي وليس بخارج عن جملة مذهبه

ج- إن بلغ المفتي رتبة الترجيح وأراد أن يفتي بقول خارجٍ عن جملة مذهبه : فليس له ذلك لأنه ولي الإفتاء مقيدًا فلا يجاوز ما وليه، وطريقه أن يراجع السلطان ليأذن له في الفتيا بما يعتقده حقا في هذه المسألة مع بقائه في منصب إفتاء الشافعية .

دــ إذا طلب المستفتي من المفتي معتمد المذهب وجب عليه أن يبينه له سواء أبلغ المفتي رتبة الترجيح أم لم يبلغها ، ويمتنع عليه أن يفتيه بغير المعتمد لأنه تغرير لا يجوز

فيظهر جليا أن كلام الأئمة في امتناع الإفتاء بغير المعتمد إنما كان لضبط الفتوى بالمذاهب السنية المعتبرة حتى تنتظم حياة الناس ولم يكن ذلك إيذانا ببطلان الإفتاء بغير المعتمد أو الإفتاء بمذهب إمام آخر.
وفي ذلك يقول السيد عمر البصري في فتاويه (179-182):

"والمراد بمنع الإفتاء بغير المعتمد : إطلاق نسبته إلى مذهب الشافعي بحيث يوهم السائل أنه معتمد المذهب ، فهذا تغرير ممتنع .
أما الإفتاء به على طريق التعريف بحاله ، وأنه يجوز العامي تقليده بالنسبة للعمل به فغير ممتنع ، وهكذا حكم الإفتاء بمذهب المخالف من أئمة الدين رضي الله عنهم حيث أتقن الناقل نقله بجواز إخبار الغير به ، وإرشاده لتقليده ، لا سيما إذا دعت إليه الحاجة أو الضرورة ، فإن إخبار الأئمة المذكورين لنا بذك وبجواز تقليده إفتاء منهم لنا بالمعنى المذكور"

وظن البعض أن ما نقلتُه هنا إنما كان في القضاء لا الإفتاء وأنه لم توجد وظائف للإفتاء قديمًا، وهذا الظن خطأ؛ فقد كانت هناك وظائف للإفتاء كما للقضاء وكانت هذه الضوابط فيهما معًا
ومن وظائف الإفتاء المشهورة في دولة المماليك :إفتاء دار العدل وكان موجودة بمصر والشام وممن وليها من أكابر المذهب : بهاء الدين السبكي وتاج الدين السبكي وسراج الدين البلقيني وجلال الدين البلقيني وشمس الدين البرماوي والحافظ ابن حجر وابن قاضي عجلون وغيرهم رحمهم الله تعالى.
بل وكانت وظائف التدريس محكومة بنفس هذه الضوابط وكان كبار المشايخ لا يجيزون تلاميذهم بالإفتاء إلا مشترطين فيه التقيد بالمعتمد؛ ففي إجازة الإمام شمس الدين الرملي لتلميذه الإمام عبد الرءوف المناوي – وهما من هما - :

" وقد أجزتُه بالإفتاء والتدريس على مذهب إمام الائمة وناصر السنة محمد بن إدريس الشافعي؛ بشرط أن لا يخرج عن كلام الشيخين عند الاجتماع وعن كلام النووي عند الانفراد؛ فإن لم يكن فعمّا عليه عامة المتأخرين"

وكان المشايخ الكبار المعروفون بتصدرهم في المذهب الشافعي، يقصدهم الناس للفتوى على معتمد المذهب الشافعي فيبينونه لهم، وإذا أراد المستفتي قول مذهب آخر، أو قول المفتي نفسه إذا كان من أهل الاجتهاد بيّن له المفتي كل ذلك.

وهذا كان كثيرًا في المتقدمين وقلّ في المتأخرين لكن لم ينقطع؛ ففي فتاوى السبكي والبلقيني أمثلة لهذا.

وقال ابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي ص 122:

"كان الإمام أبو بكر القفال المروزي؛ يقول: لو اجتهدت فأدى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة،فأقول: مذهب الشافعي كذا وكذا، ولكني أقول بمذهب أبي حنيفة، لأنه جاء ليستفتي على مذهب الشافعي، فلا بد من أن أعرفه بأني أفتي بغيره"

"وحدثني أحد المفتين بخراسان أيام مقامي بها عن بعض مشايخه: أن الإمام أحمد الخوّافي، قال للغزالي في مسألة أفتى فيها: أخطأت في الفتوى.
فقال له الغزالي: من أين والمسألة ليست مسطورة؟
فقال له: بلى، في المذهب الكبير [يعني نهايةَ المطلب لإمام الحرمين]
فقال له الغزالي: ليست فيه، ولم تكن في الموضع الذي يليق به فأخرجها له الخوّافي من موضع قد أجراها فيه المصنف استشهادًا.
فقال له الغزالي عند ذلك: لا أقبل هذا واجتهادي ما قلتُ.
فقال له الخوافي: هذا شيء آخر، أنت إنما تُسألُ عن مذهبِ الشافعيِّ، لا عن اجتهادك، فلا يجوز أن تُفتي على اجتهادك."