Get Mystery Box with random crypto!

اقتل جالوتك.. كما قتل داوود جالوت! لقد كان داوود شابا صغيرا.. | 🌹مـكــارمــ☀الاخـلاقــ🌹

اقتل جالوتك.. كما قتل داوود جالوت!

لقد كان داوود شابا صغيرا.. من رعاة الغنم، ولم تكن عنده خبرة بالقتال حين خرج لمقاتلة المحارب الخبير جالوت.. كما لم يكن معه سلاح من أسلحة الحرب المتعارف عليها وقتها.. وإنما فقط نبلة الراعي التي لا تنكأ عدوا ولا تغني في الحرب شيئا

وقف أمام جالوت.. العملاق.. المدجج بالحديد..

وقف أمامه على بعد خطوات قليلة فحسب..

بنبلته الصغيرة، يجهز تسديدته الأولى والأخيرة، أمامه ضربة واحدة فحسب.. فإن قضت على عدوه وإلا سيسحقه جالوت..

إنه موقف موت محقق فيما يبدو لنا.. فماذا كانت حسابات داوود.. ومن أين جاء بهذه الثقة والثبات.. وما الخطة التي اعتمدها؟؟

لابد أن نفهم القصة العجيبة إذن من بدايتها..

فقد طلب القوم من نبيهم ملكا لكي يجاهدوا في سبيل الله.. لم يحتاجوا تنظيرات كثيرة ليعرفوا أنه لن يقوم أمرهم إلا بالقتال، وأنه لن يصلح قتالهم إلا بقائد.. كان أمرا واضحا عند الجميع.. (ابْعَثْ لنا مَلِكًا نُقاتلْ..)

كان هؤلاء القوم مسلمون، يريدون أن يجاهدوا (في سبيل الله).. كان لديهم ذلك الدافع الديني للقتال، ومعه دافع آخر، وهو الظلم الذي وقع عليهم (وَقَد أُخرِجنا مِن دِيارِنا وَأَبنائِنا..)

ولكن غالبهم نكص عن فعل القتال نفسه.. رغم تأييدهم له، ورغم اقتناعهم به، وطلبهم له.. بل ورغم اضطرارهم له بعد أن أخرجوا من ديارهم وأبنائهم (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلّا قَليلًا مِنهُم..)

على البصير ألا يغتر أبدا بالجموع المتحمسة وشعاراتها الكبيرة.. وأن يعرف حجم قدرتها على الفعل ولا يتوقع منها الكثير..

إذن، فلنبق مع هؤلاء القليل، ولنترك الكثرة التي اكتفت بدور المشجع، ولم يجاهدوا أنفسهم على الالتزام بالأمر الشرعي

هؤلاء القلة، قد قرر قائدهم أن يختبرهم.. اختبار: الطاعة والصبر.. العمودان اللذان بدونهما لن يثبتوا أمام عدو، ولن ينتصروا في معركة

لا تنس أن هذا القائد جاءهم بوحي من الله، وإجابة لدعوة نبي من أنبياء الله.. فهو لا يختبرهم تعسفا و تسلطا و تعنتا.. بل إنه يخبرهم أن هذا الامتحان هو من قِبَل الله تعالى نفسه (إِنَّ اللهَ مُبتَليكُم بِنَهَرٍ ..)

إنه طريق القتال الذي يضعك أمام حقيقتك وواقعك تماما، ويكشف كل زيفك وادعاءاتك ومزاعمك التي تزعمها حال الأمن والعافية..

ظهرت النفوس التي لم تتعود المجاهدة (فَشَرِبُوا مِنهُ إِلّا قَليلًا مِنهُم) وكانت هذه هي الغربلة الثانية.. غربلة الثبات على الأمر الشرعي الذي احتفّت به بعض المشاق، أو تُركت لأجله بعض الشهوات.

لدينا الآن قلة مختارة حقا.. نخبة من النخبة.. وصلوا ساحة القتال وهم عطشى.. ضعفاء.. متعبون.. فرأوا المنظر المهول.. جالوت الجبار وجنوده في كامل عُدتهم وسلاحهم.. فقالوا (.. لا طاقَةَ لَنَا اليَومَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ)

فردّت عليهم قلةٌ منهم بالعبارة التي بقيت على مَرّ الأزمان (كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرَةً بِإِذنِ اللهِ)

لقد كان مستوى ثالث من المجاهدة.. مستوى الارتفاع عن الحسابات المادية للمعركة.. وهنا كلام كثير، ولكن فلنتجاوزه لنصل للمقصود

(فَهَزَموهُم بِإِذنِ اللهِ وَقَتَلَ داوودُ جالوتَ..) لقد حضر داوود المعركة.. مما يعني أنه نجح في كل الاختبارات السابقة..

فهو لم يتول عن القتال كحال غالب الجموع..

ولم يشرب من النهر كشأن الأكثرية الهشة..

ولم تخدعه القوة المادية للعدو كشأن الذين قالوا (..لا طاقَةَ لَنَا اليَومَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ)

بل زاد مستوى رابع من مجاهدة النفس.. فقد خرج لجالوت حين طلب المبارزة..

خرج له حين لم يخرج له أحد.. حتى من هؤلاء الفضلاء الذين قالوا (كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرَةً..)

ليقف داوود هذا الموقف كان لابد أن يكون قد جاهد نفسه على صدق التوكل على الله.. وعلى تحقيق حسن الظن بالله.. وكمال الإستعانة بالله.. والتعظيم لأمر الله.. وكمال الشفقة على المسلمين والرحمة بهم والمحبة لهم.. وكمال التجرد لنصرة الدين وإعلاء كلمة الله وطلب رضاه ومثوبته.. والزهد في الدنيا.. والصدق في طلب للآخرة.. وغير ذلك من حقائق الإيمان وأعمال القلب

كان لابد أن يكون قد جاهد نفسه قبل ذلك كله على التوبة والاستقامة والإنابة والتقوى.. فلم يكن ليُقدِم على مثل ذلك وهو من أهل المعاصي والغفلة..

حقق داوود في هذا الموقف عشرات الطاعات والمجاهدات والانتصارات.. لو كتبها كاتبٌ في كتابٍ لملأه.. أشار إليها القرآن المعجز بثلاثِ كلماتٍ فحسب: (وَقَتَلَ داوودُ جالوتَ)

لم تكن النبلة إذن هي من قتلت جالوت الجبار.. وإنما انتصار داوود على نفسه و مجاهدته لها هو ما غيّر كل شيء..

انتصار داود على عدوه الذي بين جنبيه هو ما مكّنه من مواجهة عدوه في الخارج وقتله.. وبالتالي الانتصار في المعركة.. وبالتالي تغيير مصير أمة كاملة وإخراجها من أشد حالات الاستضعاف إلى ذروة الملك والسيادة.