Get Mystery Box with random crypto!

التصنيفات التحزبية يخضع أكثرها للتشهِّي أكثر من التقصِّي . ف | محمد أبو فارس

التصنيفات التحزبية يخضع أكثرها للتشهِّي أكثر من التقصِّي .

فبعضهم لا ينجح مشروعه اجتماعيًّا إلا باصطناع صورةٍ تخيُّليةٍ مُتكاملةٍ لعدوٍّ مُترصِّدٍ ، ينهض مشروعه لمحاربته .

فأنت تلاحظ هنا أن الكلام ليس في نفي وجود عدوٍّ مُترصِّدٍ ، بل في افتراض صورةٍ مُتكاملةٍ تمثاليةٍ لهذا العدوِّ يصحُّ أن يُشار إليها بعد ذلك ب: هؤلاء ، أولئك ، هم ، وبالتالي يصحُّ في المقابل قول : نحن ، أنا ، عندي ، لدينا .

وعند التحقيق في غالب هذه الإطلاقات التحزبية ، تجد أنها قائمةٌ على التشهِّي ، لا استقراء الواقع بدقَّةٍ وموضوعيةٍ وإنصافٍ = بحيث يُجوِّزُ المُتشهِّي لنفسه ضمَّ المختلفين فيما بينهم تحت عباءةٍ تصنيفيةٍ واحدةٍ ، من أجل ممارسة لعبة تقسيم المشروعات .

فالأمر لا يقوم على دراسةٍ فحصيةٍ اجتماعيةٍ لأطياف الاتجاهات المتنازعة في الواقع ، والتي تتباعد وتتقارب فيما بينها قليلا أو كثيرا = لأن شهوة التصنيف تُعمي عين صاحبها عن الفروقات المعتبرة في هذا السياق ، والتي لو اعتبرها لم يستطع أن يجعل له خصما ضخما ، فمصلحة تضخيم الخصوم - لتضخيم شأن نقدهم بعد ذلك - تغلب على مصلحة دراسة واقعهم ، والنظر في تفاصيل شؤونهم ، والتي تكشف عن تباينٍ شديدٍ في المواقف بينهم يصل إلى درجة التناقض .

وهذا الكلام تجد مصداقه عند عامَّة المشتغلين بالتصنيفات ، فلا تذهل عن هذا الأمر ، واعلم أن أكثر الصراعات العلمية لا تكاد تخلو عند أصحابها من اعتبار ما في الأذهان متحققا في الأعيان ، وهو ليس كذلك ، فلا تكن من الجمهور المصفِّق غير المحقِّق في ساحات الجدل المجتمعي .