2022-05-30 10:50:15
حياة اليوم قد تُصنَّف بأكثر حياة مُملة، وإنسان اليوم هو أكثر إنسان أُصيب بللملل، ولو قِسنا الأمر بالأمور المادية والظاهرة ستجد أنَّ هذه المعادلة مُستحيلة!
بمعنى: اليوم نجد كُل شيء مُباح تقريبًا، يتوفر جميع أنواع الأطعمة التي قد تطلبها في أي وقت، جميع أنواع الترفيه مباحة، معك الهاتف قد تفتح عليه أي شيء تُريد أن تُشاهده، عندك التلفاز عليه آلاف القنوات والبرامج، أيضًا يتوفر لديك وسائل التواصل التي تُتيح لك التواصل مع مَن شئت من أصحابك، وغيرها من وسائل الترفيه التي لم تتواجد في أي حقبة من التاريخ إلا في عصرنا هذا، ولكن مع هذا؛ الكُل يشعر بالملل!
قلنا أنَّ الأمر لو قِسناه بالأمر الظاهري المادي ستجد أنَّ من المستحيل أن يشعر إنسان اليوم بالملل، ولكن ماذا تقول أهل الاختصاص؟
يقولون أنَّ الملل يتولد بسبب تكوين عصبي للجسد، فعندما تتكرر الإثارة، تضعف الاستجابة، وتقل اللذة. بمعنى: أنَّه كلما جربت مثلا أنواعًا كثيرة من الأطعمة والمشروبات، كُلمها ضعفت رغبتك تجاه هذه الأشياء، وكُلما قلة اللذة عن تجربتها، وفي هذا الأمر يقول الخليفة هشام بن عبد الملك: "أكلتُ الحاِمض والحلو، حتى أكاد لا أجد لهما طعمًا، وأتيتُ النساء حتى ما أبالي امرأة لقيت أم حائطًا".
لذلك نجد نسبة الانتحار العالية في البلاد الأكثر رفاهية! كيف ذلك؟
شابٌ جرب كُل شيء، أكل أشهى المأكولات، وركب أفخم السيارات، وصاحب أجمل الفتيات، وسافر إلى أجمل البلاد، ثم ماذا؟ ثم يتكرر هذا الأمر كُل يوم، وكل ساعة، ثم يفقد لذة المُتعة والشغف تجاه هذه الأشياء، بجانب أنه يفتقد لمعنى الحياة، وغاية الوجود، فينتحر!
والسؤال البَدهي هنا، هل هذه الأشياء مُصطنعة ومقصودة؟
نعم، وتستطيع أن تجزم على ذلك أيضًا، النظام العالمي، والرأسمالية الآن مصدر دخلها هو المَلل الذي يصيبني ويصيبك! كَم الاستهلاك العجيب الذي نراه الآن يأخذك إلى دوامة من الملل، ثم يزيد الاستهالك كُلما زاد الملل، وهم يلعبون على هذا الأمر، فترى الإعلانات التي تُروج إلى المنتجات والألعاب وغيرها يُصرف عليها المليارات، ويتم إنفاق أموال طائلة لاختراع أدوات ترفيه جديدة، ومنتجات جديدة حتى تمل من القديمة، فتشتري الجديدة، حتى الهواتف ومنصات البحث كلها مُراقبة حتى يعرفون بماذا تُفكر، وماذا تشتهي، فيستطيعون أن يستهدفوك بإعلاناتهم، فتُصبح في حالة مَلل من كل شيء كَون أنَّ كُل جديد ينزل كُل دقيقة، فتمل من القديم، فتستهلِكه، فتشتري الجديد، وهلُمَّ جرا.
محمود الرفاعي
98 viewsكرم العبيدي, 07:50