2022-12-27 18:25:49
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِالحمدُ للَّهِ الَّذي عَلَّمَ بالقلمِ، عَلَّمَ الإنسانَ مَا لمْ يَعْلَمْ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على إمامِ القُرَّاءِ، وسَيِّدِ أهلِ الإقْرَاءِ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمَّا بعدُ: فقدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ مِن فُضَلَاءِ المُقرئينَ عَن كيفيةِ قراءةِ ابنِ مُحَيْصِنٍ في: (أَوَعَظتَ) و(اضطُرَّ) وفي نحوِ: (أَفَضتُمْ): كيفَ يكونُ إدغامُ الظَّاءِ أوِ الضَّادِ فِي التَّاءِ،ِ وإدغامُ الضَّادِ في الطَّاءِ معَ بيانِ صفةِ إطباقِ الحَرْفِ المُدْغَمِ؟
وذَكَرَ أحدُهما أنَّهُ وقعَ خِلَافٌ فِي ذلكَ، ورَغِبَ إليَّ أنْ أَكْتُبَ بيانًا فِيهِ.
فأقولُ -وباللَّهِ التوفيقُ والعِصْمَةُ-: الكلامُ في هذِهِ المسألةِ دقيقٌ، وفيهِ طُولٌ لا تَحتَمِلُهُ هذِهِ الفُتْيَا.
وخلاصتُهُ -بَعْدَ النَّظَرِ والمُدَارَسَةِ-:مَحَلُّ الإشكالِ: هُوَ كيفَ يُمْكِنُ إدغامُ الظَّاءِ أوِ الضَّادِ في التَّاءِ أو إدغامُ الضَّادِ فِي الطَّاءِ معَ بَيَانِ صفةِ إطباقِ الحرفِ المُدْغَمِ، ومعلومٌ أنَّ الصِّفَةَ لا تَنفَكُّ عنِ المَوْصُوف، فإمَّا أنْ يُظهَرَ كُلٌّ مِنَ الظَّاءِ والضَّادِ، وإمَّا أنْ يُدْغَمَا إدغامًا تامًّا في الحرفِ المُدْغَمِ فيهِ، وكُلٌّ مِن هذينِ الاحتمالينِ ليسَ بمقصُودٍ.
وَحَلُّ هذا الإشكالِ:
هُوَ أنَّ صِفةَ الإطباقِ يُمْكِنُ أنْ تَنفَكَّ عَنْ حروفِها الأربعةِ، وإنْ كانت حروفُها الأربعةُ لا يُمْكِنُ أنْ تَنفَكَّ عنها؛ لأنَّ التَّلَازُمَ ليسَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
ومِثْلُ هذا: انْفِكَاكُ الغُنَّةِ عن حرفَيْها -النُّونِ والميمِ- والاستعلاءُ في: (نَخْلُقكُمْ) عنِ القافِ.
قالَ القَرّابُ (ت: ٤١٤) في كتابِهِ الشافي، في عللِ القراءاتِ: "ويُمْكِنُ تبقيةُ إطباقِ الطاءِ عندَ إدغامِها في التاء، وتبقيةُ الغُنَّةِ عند إدغامِ النُّونِ في الرَّاءِ و اللَّام؛ لأنَّ الإطباقَ مِن سقفِ الفَمِ، والغنةَ مِن الخَيْشُومِ، وهما مِن غيرِ مَخرَجِ الحرفِ؛ فأمْكَنَ تبقيتُهما".
وقدْ قاسَ الدَّانيُّ (ت: ٤٤٤) بيانَ إطباقِ نحوِ: (أَحَطتُ) على بيانِ غُنَّةِ النُّونِ.
قلتُ: وفي كلٍّ منهما تنفكُّ الصفةُ عن الموصوفِ.
فقالَ في أُرْجُوزَتِهِ المُنَبِّهَةِ:
وكلُّهُمْ بَيَّنَ صوتَ الطاءِ
إِذا أَتَتْ مُدْغَمَةً في التَّاءِ
كقولِهِ: (أَحَطتُ) في نَظِيرِهِ
ومِثْلُهُ: (فَرَطتُ) في تَقْدِيرِهِ
وذاكَ في القِيَاسِ مِثْلُ النُّونِ
إِذا ادَّغَمْتَها معَ التَّبْيِينِ
لصَوْتِها المُرَكَّبِ المعروفِ
كراهةَ الإِجْحَافِ بالحُرُوفِ
إذَا تَقَرَّر هذا:
زَالَ الإشكالُ.
وقد أجابَ كذلك عن هذا الإشكالِ أحسنَ جوابٍ الخابُوريُّ (ت: ٦٩٠) في كتابِهِ المَجِيدِ: (الدُّرِّ النَّضِيدِ).
وكَيْفِيَّةُ التَّلَفُّظِ بذلكَ:
هُوَ أنْ يُطْبِقَ القارئُ طَائِفَةً مِن لِسانِهِ عَلَى ما يُحَاذِيها مِن الحَنَكِ الأعلى، مِنْ غَيْرِ أنْ يتصلَ لسانُهُ بمَخْرَجِ الظَّاءِ أو الضَّادِ، ثُمَّ يَلْفِظُ بالحَرْفِ المُدْغَمِ فيهِ مُشَدَّدًا.
وعندئذٍ: يَتَحَقَّقُ لهُ بيانُ الإطباقِ مُنفَكًّا عَن حرفِهِ، معَ إدغامِ حرفِهِ في الَّذي يليهِ، ولهذا شُدِّدَ الحرفُ المُدْغَمُ فيهِ.
وهَذَا هُو الذي يَنبَغِي فِي التَّلَفُّظِ بـ(بَسَطتَ) و(أَحَطتُ) في القراءاتِ العشرِ وغيرِها.
ونحوُهُ:
التَّلَفُّظُ بـ(نَخْلُقكُمْ) في وَجْهِ الإدغامِ الناقصِ: فيُسْتَعْلى بطائفةٍ مِن اللِّسانِ، مِن غيرِ أنْ يتصلَ اللِّسانُ بمَخْرجِ القافِ، ثمَّ يُشدَّدُ الكافُ.
وعندئذٍ: يَتَحَقَّقُ بَيَانُ الاستعلاءِ مُنفَكًّا عنِ القافِ، معَ إدغامِ حرفِهِ في الَّذي يليهِ، ولهذا شُدِّدَ الحرفُ المُدْغَمُ فيهِ.
وهكذا الشأنُ في كُلِّ إدغامٍ ناقصٍ:
١- لا يُلْفَظُ فيهِ بالحرفِ المُدْغَمِ.
٢- وتُبَيَّنُ صفةُ إطباقِ الحرفِ المُدْغَمِ أوِ استعلائِهِ، من غيرِ أنْ يتصلَ اللسانُ بمخرجِ الحرفِ المُدْغَمِ.
٣- ويُدْغَمُ الحرفُ المُدْغَمُ في الحرفِ الَّذي يليهِ.
وآيةُإدغامِهِ، وعدمِ التَّلَفُّظِ بهِ: هيَ تشديدُ الحرفِ المُدْغَمِ فيهِ.
وإنَّمَا سُمِّيَ هذا الإدغامُ في هذِهِ المواضعِ بالإدغامِ النَّاقصِ لِبَقَاءِ صِفَةِ الحَرْفِ المُدْغَمِ، وهِيَ الإطباقُ أوِ الاستعلاءُ.
وهَذَا الإدغامُ في هَذِهِ المواطنِ تُحْكِمُهُ المُشَافَهَةُ.والعِلْمُ عندَ اللَّهِ تَعَالى.
وكَتَبَ: عليُّ بنُ سَعْدٍ الغامديُّ المَكِّيُّ.
ظهرَ السبتِ: ٩/ ١٠/ ١٤٣٩.
بمسجدِ رسولِ اللَّهِ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم.
126 views15:25