Get Mystery Box with random crypto!

قال العلامة الشيخ: يوسف الدجوي رضي الله عنه: التوسّل والاستغا | Thakir Alhanafe ذاكر الحنفي

قال العلامة الشيخ: يوسف الدجوي رضي الله عنه:

التوسّل والاستغاثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تزال ترد إلينا الرّسائل بشأن التوسّل طلبًا للتوضيح والإسهاب .

وقد ذكر بعض مرسليها أن من الناس من يكفّر المتوسّلين برسول الله صلى الله عليه وسلم الّذي سنتوسّل به جميعًا يوم القيامة على ما نطقت به الأحاديث الصحيحة . ولو قالوا إن في المسألة تفصيلاً ، أو أنّ بعض العبارات التي يقولوها المتوسّلون ، أو الزائرون ينبغي التّحاشي عنها ، وتعليم ما يصح أن يقول في توسّله أو عند زيارته ، لقبلنا منهم ذلك وشكرناهم عليه ، ولكنهم أفرطوا كل الإفراط ، فرأينا أن نفيض القول في ذلك ، فلعلّنا بزيادة التّقرير والتّكرير نُزيل تلك العقيدة التي هي أخطر شيءٍ على الإسلام والمسلمين .

ولنجعل الكلام معهم في مقامين ، حتى نفحمهم بالمعقول والمنقول ، فنقول : الكلام معهم في جهة الدليل العقلي ، وما نضطر إليه من الدليل النقلي .

قبل أن نخوض في هذا الموضوع نحب أن نشترط على المنكرين أن يصبروا صبر المرتاضين بصناعة المنطق ، العارفين بقوانين المناظرة ، فلا يخرجوا عن الفرض الذي نفرضه حتى نتم الكلام فيه ، وأن يعرفوا موضوع البحث فلا ينتقلوا عنه إلى غيره ، وسنفرض الفروض كلها ثم نبطلها واحدًا واحدًا .

ولينظروا حتى لا يختلط المعقول بالمنقول ، ولا المنقول بالمعقول ، وسنوفّي كلاًّ حقّه إن شاء الله ، وعسى ألاّ يكونوا بعد ذلك ممن يسلّم المقدّمات ثم ينازع في النّتيجة ، فنقول :

هؤُلاء إن كانوا يمنعون التوسّل والاستغاثة ، ويجعلونهما شركًا من حيث إنّهما توسّل واستغاثة ، فاستغاثة المظلوم بمن يرفع ظلمه إذًا شرك ، واستغاثة الرجل بمن يعينه في بعض شؤونه شرك ، واستغاثة الملك بجيشه لدى الحروب شرك ، واستغاثة الجيش بالملك فيما يصلح أمره شرك . بل نقول : يلزمهم على هذا الفرض أنَّ طلب المعونة من أرباب الحرف والصنائع التي لا غنى للناس عنها شرك ، وطلب المريض للطبيب شرك ، بل يلزم بناءً على تلك الكليات التي تقتضيها الحيثيّة أن استغاثة الرّجل الاسرائيلي بسيدنا موسى عليه السلام وإجابته إياه كما قال تعالى { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } [القصص: 15] شرك ، إلى غير ذلك مما لا يقول به عاقل فضلاً عن فاضل .

هذا كله إن كانوا يقولون : إنها ممنوعة من حيث إنّها استغاثة بغير الله كما فرضنا ، فإن قالوا : أنّ الاستغاثة والتوسل بالأموات شرك دون الأحياء ، قلنا لهم : لا معنى لهذا بعد أن سلّمتم أن الاستغاثة بغير الله من الأحياء ليست بشرك ، وبعد ما ورد به القرآن ووقع عليه الإجماع في كل زمان ومكان ، ولا معنى لأن يكون طلب الفعل من غير الله شركًا تارة ، وغير شرك تارة أخرى ، فإن فيه نسبة الفعل لغير الله على كل حال .

وإن قالوا : إنّنا لا نعتقد التأثير الذاتي من الأحياء الذين نطلب منهم المعونة ، قلنا لهم : يجب إذًا أن تجعلوا مناط المنع هو اعتقاد التأثير الذاتي لغير الله تعالى ، لا فرق بين الأحياء والأموات ، فإن وجد ذلك الاعتقاد كان شركًا وإلا فلا ، سواءٌ كانت الدّعوة لحي أو ميت ، وإن كان مناط المنع هو تلك السَّبَبِيَّة الظاهرة التي تفهم من ظواهر الألفاظ ، وجب أن يكون ذلك كله شركًا ، حتى طلب الرجل من أخيه أن يعينه في الحمل على دابته ، أو بناء داره ، أو حفر نهره ، إلى غير ذلك كما أوضحنا في الفرض الأوّل .

فإن قالوا : إنّنا ننسب تلك الأفعال والتأثيرات إلى غير الله تعالى من الأحياء ، معتقدين أنّ الخلق والإيجاد ليس إلا لله تعالى ، وأن الحي ليس له إلا الكسب لا غير ، قلنا لهم : كذلك من يطلب من الأموات أو يتوسّل بهم ، والقرينة فيهما واحدة ، وهو إيمان بأن الله بيده ملكوت السّموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ، وأنّ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنّه لا خالق غيره ، ولا موجد سواه .

وإن كان سرّ المنع عندهم هو أن الميت لا يقدر على شيء مما طلب منه . فنقول لهم :

أولاً - لا يلزم من ذلك أن يكون الطلب شركًا بل عبثًا فقط ، والاستغاثة بالأحياء أقرب إلى الشرك منها بالأموات ، لأنها أقرب إلى اعتقاد تأثيرهم في الإعطاء والمنع بمقتضى الحس والمشاهدة ، لولا نور الإيمان وساطع البرهان .

ثانيًا - ثم نقول لهم : ما معنى قولكم "إن الميت لا يقدر على شيء" ، وما سره وباطنه عندكم ؟ إن كان ذلك لكونكم تعتقدون أنّ الميّت صار ترابًا ، فما أضلّكم في دينكم ، وما أجهلكم بما ورد عن نبيكم ، بل عن ربكم من ثبوت حياة الأرواح ، وبقائها بعد مفارقة الاجسام ، ومناداة النبي صلى الله عليه وسلم لها يوم بدر بقوله (( يا عَمرو بنَ هِشَام وَيَا عُتبَة بنَ ربيعَة وَيَا فُلانَ بن فلان إنَّا وَجَدنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُم مَا وَعَدَ رَبُّكْم حَقًّا)) فقيل له : ما ذلك ؟ فقال (( مَا أنْتُم بِأسمَعَ لِمَا أقُولُ مِنْهم )) ومن ذلك تسليمه على أهل القبور ومناداته لهم بقوله