Get Mystery Box with random crypto!

(( السَّلاَمُ عَلَيكم يَا أهْلَ الدِيَار )) . ومن ذلك عذاب الق | Thakir Alhanafe ذاكر الحنفي

(( السَّلاَمُ عَلَيكم يَا أهْلَ الدِيَار )) . ومن ذلك عذاب القبر ونعيمه ، وإثبات المجيء والذهاب إلى الأرواح ، إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي جاء بها الإسلام ، وأثبتتها الفلسفة قديمًا وحديثًا .

ولنقتصر هنا على هذا السّؤال :

أيعتقدون أن الشهداء أحياءٌ عند ربهم ، كما نطق القرآن بذلك أم لا ؟ فإن لم يعتقدوا فلا كلام لنا معهم ، لأنّهم كذّبوا القرآن حيث يقول{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ } [سورة البقرة : 154] { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون } [سورة آل عمران : 169] .

وإن اعتقدوا ذلك فنقول لهم : إن الأنبياء ، وكثيرًا من صالحي المسلمين الذين ليسوا بشهداءَ كأكابر الصحابة ، أفضل من الشهداء بلا شك ولا مرية ، فإذا ثبتت الحياة للشهداء فثبوتها لمن هو أفضل منهم أولى .

على أن حياة الأنبياء مصرّح بها في الأحاديث الصحيحة ، وقد رأى صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام يصلّي فوق الكثيب الأحمر ، وراجعه مرارًا عندما فرضت الصلاة خمسين في كل يوم وليلة حتى صارت خمسًا ، كما قابل آدم وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء -عليهم السلام- فهذا كلّه يثبت حياة الأرواح ، وأنه لا شك فيها .

فإذًا نقول : حيث ثبتت حياة الأرواح بالأدلة القطعيّة التي قدمنا بعضها ، فلا يسعنا بعد ثبوت الحياة إلا إثبات خصائصها ، فإن ثبوت الملزوم يوجب ثبوت اللازم كما أن نفي اللازم يوجب نفي الملزوم كما هو معروف .

وأي مانع عقلاً من الاستغاثة بها ، والاستمداد منها كما يستعين الرجل بالملائكة في قضاء حوائجه ، أو كما يستعين الرجل بالرجل ، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان .

وتصرّفات الأرواح على نحو تصرفات الملائكة لا تحتاج إلى مماسة ولا آلة ، فليست على نحو ما تعرف من قوانين التّصرّفات عندنا ، فإنّها من عالم آخر ، { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [سورة الإسراء : 85] وماذا يفهمون من تصرّف الملائكة أو الجن في هذا العالم ؟!

ولا شك أنّ الأرواح لها من الإطلاق والحرِّيَّة ما يمكّنها من أن تجيب من يناديها ، وتغيث من يستغيث بها ، كالأحياء سواء بسواءٍ ، بل أشد وأعظم . وقد ذكرنا لك فيما سبق عن ابن القيم أنّ الأرواح القوية ، كروح أبي بكر وعمر ربّما هزمت جيشًا ، إلى آخر ما ذكرناه . فإن كانوا لا يعرفون إلا المحسوسات ، ولا يعترفون إلا بالمشاهدات ، فما أجدرهم أن يسموا طبيعيين لا مؤمنين .

على أنّنا نتنزل معهم ، ونسلم لهم أن الأرواح بعد مفارقة الأجساد لا تستطيع أن تعمل شيئًا ، ولكن نقول لهم : إذا فرضنا ذلك وسلّمناه جدلاً فلنا أن نقرّر : أنّه ليست مساعدة الأنبياء والأولياء للمستغيثين بهم من باب تصرّف الأرواح في هذا العالم على نحو ما قدمنا ، بل مساعدتهم لمن يزورهم أو يستغيث بهم بالدعاء لهم ، كما يدعو الرجل الصالح لغيره ، فيكون من دعاء الفاضل للمفضول ، أو على الأقل من دعاء الأخ لأخيه ، وقد علمت أنهم أحياءٌ يشعرون ويحسّون ويعلمون ، بل الشعور أتم والعلم أعم بعد مفارقة الجسد ، لزوال الحجب التّرابية ، وعدم منازعات الشهوات البشرية .

وقد جاء في الحديث أن أعمالنا تعرض عليه صلى الله عليه وسلم ، فإن وجد خيرًا حمد الله ، وإن وجد غير ذلك استغفر لنا ، ولنا أن نقول : إن المستغاث به ، والمطلوب منه الإغاثة هو الله تعالى ، ولكن السائل يسأل متوسلاً إلى الله بالنبي أو بالولي في أنه يقضي حاجته ، فالفاعل هو الله ، ولكن أراد السائل أن يسأله تعالى ببعض المقربين لديه الأكرمين عليه ، فكأنه يقول : أنا من محبيه -أو محسوبيه- ، فارحمني لأجله . وسيرحم الله كثيرًا من الناس يوم القيامة لأجل النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره من الأنبياء ، والأولياء ، والعلماء .

وبالجملة : فإكرام الله لبعض أحباب نبيه لأجل نبيه ، بل لبعض العباد لبعض أمر معروف غير مجهول ، ومن ذلك الذين يصلون على الميت ، ويطلبون من الله أن يكرمه ويعفو عنه لأجلهم بقولهم : "وقد جئناك شفعاءَ فشفعنا فيه ".

والمقصود من ذلك كله إثبات أن الله يرحم بعض العباد ببعض ، على أن توجّه الإنسان إلى النبي ، أو الولي ، والتجاءَه إليه تحس به روح النبي والولي تمام الإحساس ، وهو كريم ذو وجاهة عند الله تعالى ، كما قال تعالى في بعض أصفيائه { وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } [سورة الأحزاب : 69] وكما قال في بعض آخر : { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } [سورة آل عمران : 45] ، فتعتني تلك الروح بذلك الملتجئ أشد الاعتناء في تسديده وتأييده ، والدعاء له هي والملائكة الذين يجلونها ، ويحبون مسرتها ورضاها ، والأنبياء والأولياء محبوبون للملائكة بشاهد قوله صلى الله عليه وسلم (( إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ فِي السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا