Get Mystery Box with random crypto!

إن النفس التي بين جنبيك: إنما هي هبة مالك موقوتة بتقدير مالكها | أنس البخاري

إن النفس التي بين جنبيك: إنما هي هبة مالك موقوتة بتقدير مالكها.
توهب لك كل صباح فتستيقظ، ويتوفاها مالكها عز وجل في منامك، ولا تدري! هل تؤتمن عليها من قِبَلِ ربها ومالكها الحق عز وجل غدا أم لا؟ أيرسلها أم يمسكها؟
وإذا أرسلها ووهبك إياها فلأجل مسمى عنده، وهل تدري متى وبأي أرض هو؟
ولكنك تعلم يقينا أنه لا محالة قريب؛ فكل آت قريب.

"اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"

ويتعجب المرء من الطغاة والجبابرة! كيف يفعلون أفعالهم وهم بذلك العجز والوهن؟!
ما أوهن ابن آدم وما أفجره وأطغاه!
وما أحلم الله وأكرمه على بالغ قدرته!

وإذا أدرك المرء هذا التصور بصورة صحيحة - أن عمره ليس إلا يومه هذا الذي يحياه، يوهَب نفسه كلما استيقظ ليعالج بها عمل يوم واحد، ثم ترد إلى مالكها الحق إذا نام - فإنه يستقبلها خير استقبال، ويستعملها خير استعمال، ويودعها خير وداع. فلا يستقبلها بمعصية، ولا يعزم على استعمالها إلا في حسن، ولا يودعها إلا بتوبة وإنابة وذل وافتقار إلى موهبها.

وإذا تأملت في أذكار النوم والاستيقاظ وجدت الكثير منها يعزز هذا المعنى، ومن ذلك:
الحديث الذي رواه البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ".

وقد فقه الصحابة رضوان الله عليهم ذلك المعنى، فتراهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء يقولونه إذا أوى الواحد منهم إلى فراشه أو إذا استيقظ.

وقد علمت الشياطين أن ذلك سبيل صلاح للإنسان وهدى إلى الصراط المستقيم، فهم يترصدونه حين يستيقظ، وحين ينام، ومن رحمة الله عز وجل أن وكل بنا ملائكة تأمرنا بالخير وتحثنا عليه وتحفظنا من الشياطين عند ذلك؛ فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أوى الرَّجُلُ إلى فراشِه أتاه ملَكٌ وشيطانٌ، فيقولُ الملَكُ: اختِمْ بخيرٍ ويقولُ الشَّيطانُ: اختِمْ بشَرٍّ، فإنْ ذكَر اللهَ ثمَّ نام باتتِ الملائكةُ تكلَؤُه، فإنِ استيقَظ قال الملَكُ: افتَحْ بخيرٍ، وقال الشَّيطانُ: افتَحْ بشَرٍّ، فإنْ قال: الحمدُ للهِ الَّذي ردَّ عليَّ نَفْسي ولم يُمِتْها في منامِها الحمدُ للهِ الَّذي يُمسِكُ السَّمواتِ والأرضَ أنْ تزولا) إلى آخِرِ الآيةِ (الحمدُ للهِ الَّذي يُمسِكُ السَّماءَ أنْ تقَعَ على الأرضِ إلَّا بإذنِه)، فإنْ وقَع مِن سريرِه فمات دخَل الجنَّةَ.

فلنحسن استقبالها، ولنحسن استعمالها، ولنحسن وداعها، ولندرك أن الأجل قريب، وكل آت قريب، فاللهم أحسن ختامنا!

أحمد إسماعيل.