2022-02-26 22:39:15
مما يثير الانتباه بشكل جلي أن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لم يتتلمذوا عند أحد ، ولم يسألوا أحدا طيلة حياتهم ، بل لم يُسأل أحدا منهم وما كان يعرف للسؤال جوابا ، وليس لهذا وينتهي الأمر إذ مضافا على ذلك أنهم عليهم السلام يجيبون ولم يترددوا في الإجابة حتى في صغر سنهم وإليك على سبيل المثال ما رواه الشيخ المفيد في (الفصول المختارة) والفتال النيسابوري في (روضة الواعظين) أن أبا حنيفة يقول : دخلت المدينة فأتيت جعفر بن محمد فسلمت عليه وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى في دهليز قاعدا في مكتب له وهو صبي صغير السن فقلت له : يا غلام أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إلي ثم قال : يا شيخ اجتنب شطوط الأنهار ومسقط الثمار وفئ النزال وأفنية الدور والطرق النافذة والمساجد وارفع وضع بعد ذلك حيث شئت .
قال : فلما سمعت هذا القول منه نبل في عيني وعظم في قلبي فقلت له : جعلت فداك ممن المعصية ؟ فنظر إلي نظرا ازدراني به ثم قال : اجلس حتى أخبرك فجلست بين يديه فقال : إن المعصية لا بد من أن تكون من العبد أو من خالقه أو منهما جميعا ، فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر وإليه توجه النهي وله حق الثواب وعليه العقاب ووجبت له الجنة والنار قال أبو حنيفة : فلما سمعت ذلك قلت : [ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ]
والحدث البارز في هذا المجال هو إمامة الجواد عليه السلام قبل سن العاشرة من عمره الشريف وكيف أنه كان يجيب على أسئلة العلماء في مجلس المأمون، واختبار بعض علماء الشيعة له بأسئلة مختلفة بعد وفاة الإمام الرضا عليه السلام ـــ كما روى ذلك الشيخ الكليني في أصول الكافي والشيخ المفيد في الاختصاص ـــ حتى تيقنوا أن الإمامة لا يحدها صغر السن.
وملخص ذلك : أن عدم تتلمذ الأئمة عند أحد ، ولم يسألوا أحدا طيلة حياتهم ، وكونهم لم يترددوا في الجواب ، والإجابة في صغر السن على مختلف المسائل في أصول الدين وفروعه جانبٌ مشرقٌ من جوانب إثبات الإمامة ــ علاوةً على وجود النص ــ وهو يضع بعض التنويريين والمشككين في إمامة الأئمة عليهم السلام أمام أسئلة محرجة ومأزق عظيم.
قبل سنوات كتبت (الإمامة والعصمة في الكشف الإني) وأشرت فيه لهذا الجانب المهم واللافت في خضم دائرة الإمامة مع الشواهد والإشارات المختصرة وقد استنزفت فيه كل طاقتي وجهدي ومع ذلك خرج على شكل كتيب صغير لأنه من البحوث غير المطروقة ولم أجد مصدرا أو كتابا خاض فيه على نحو الإطناب ولا حتى الإيجاز لكي أتوسع في البحث إلى حد ما.
نحتاج إلى المزيد من الكتابات والمؤلفات من أجل إبراز مَعلمٍ مهم من معالم الإمامة.
ومن الله العلي القدير نستمد العون والتوفيق.
الكتاب مرفوع على مكتبة نور لمن شاء الاطلاع عليه
157 views19:39