2022-06-07 21:18:25
يقول السفير الأفغاني في مصر صادق مجددي : كان الملك أمان الله خان ملك أفغانستان الأسبق صديقاً لي ولإخواني حينما تبوأ العرش، وكنت أحب له التوفيق والخير كملك للأمة الأفغانية التي أحب لها التوفيق والخير على الدوام، ولكن ما أن مضت خمس سنوات على حكمه حتى اختلفت معه، وما مضت عشر سنوات حتى ثُرت عليه، ذلك لأنه قام بأعمال جنونية لا تتفق والدين، ومن ذلك أنه فرض أن تكون العطلة الأسبوعية يوم الخميس بدلاً عن يوم الجمعة، وجعل عقوبة لكل سيدة تخرج متحجبة، وأمر أن يلبس رجال الدين القبعة.
وحدث أن أقام في القصر حفلة دعا إليها رجال الدولة وأعيانها والهيئة السياسية الأجنبية، وظهرت فيها الملكة سافرة لأول مرة، وأخذ يقدم المدعوين إليها واحداً واحداً كما يقدمها إلى المدعوين مما أثار نفور الشعب واشمئزازه، وطالما تحدثت معه في أن طريقة التجديد التي يسير عليها طريقة خاطئة، فلم يلتفت إلى النصيحة، ثم كانت رحلته إلى بعض بلاد الشرق وأوروبا، وهي الرحلة التي استغرقت ستة أشهر، وجاءت أخبارها في البلاد الأفغانية، ونشرت صحف هذه البلاد الحفلات التي حضرها الملكان كما نشرت صورة الملكة سافرة بملابس السهرة مما كان له أشد وقع في النفوس، فذهبت إلى وكيل وزارة الخارجية وطلبت منه أن يبعث إلى الملك قبل أن يدخل الحدود الأفغانية راجياً أن تعود الملكة محجبة إلى الأفغان حتى يخف الأثر الذي أحدثته تلك الحفلات، ويظهر أن الوكيل لم يبعث إليه بشيء فعادت الملكة سافرة مع الملك، وركب معها العربة الملكية على الطريقة الأوروبية فازداد الشعب الأفغاني اشمئزازاً.
وأحببت أن أقابل الملك فكان يعتذر عن مقابلتي المرة بعد المرة، ولم يكترث بالرأي العام، وحينئذ اجتمعت برئيس المحكمة العليا الشيخ عبد الرحمن الحسيني ومفتي العاصمة السيد عبد الحنان وقاضي المصيف السيد فضل الحق والعالم الجليل الشيخ عبد القادر وابن أخي محمد معصوم مجددي، وقررنا الخروج على أمان الله، والتف حولنا عدد يسير، وخرجنا إلى إحدى مناطق الأفغان، وقد ركبنا البغال 36 ساعة متواصلة وأعلنا الثورة، فنكص بعض أنصارنا، وفشلنا في ثورتنا، واضطررنا نحن الستة أن نعتصم بالجبال ،وانقطع ما معنا من طعام وشراب، فذهبنا إلى مخفر الحدود وطرقنا بابه، وأخبرنا قائده أننا جئنا للتسليم، فأبلغ محافظة الحدود فوراً، فأبلغت هذه الملك، فأمر بإحضارنا إليه وتقدمنا واحداً واحداً أمامه، فلما تقدمت إليه سألني أمان الله : قل والله العظيم أقول الصدق
قلت : لا أقسم على ذلك، ولكني أقول الصدق إن شاء الله
فقال : ولماذا إن شاء الله؟
قلت : لأنني لا أكذب، ولكن قد يحدث تحريف بلا قصد مني فقلت لذلك إن شاء الله
قال : لماذا سلمتم أنفسكم؟
قلت : لأننا فشلنا، وليس عندنا قوة، ولا نحب أن نلجأ إلى حكومة أجنبية
فقال : إذاً لو كانت لديكم قوة كنتم تستمرون في الثورة ؟
قلت : نعم، لو كانت عندنا قوة لما سلمنا أنفسنا، ولو عادت لنا القوة لحاربناك
فاشتد غضبه، وقام من مجلسه وهو يكظم غيظه، ووقف بجانب نافذة مفتوحة وجعل يفرك يديه، ثم عاد فجلس للتحقيق معي، فقال : ألم أُحسن إليك وأعطيك أرضاً زراعية ؟
فأخرجت علبة نشوق من جيبي وقلت له: والله ليس لك عندي من الإحسان قدر ذرة من هذا النشوق، وإذا كنت تذكر الأرض الزراعية، فإنما فعلت ذلك لأخي، وليس لي فيه شيء
فتذكر وسكت، وبعد التحقيقُ سجن كُل منا في زنزانة، ووضعت الأغلال في اعناقنا وأيدينا وأرجلنا فكان الواحد منا يحمل 32 رطلاً من الحديد، ثم ألف محكمة عسكرية قضت علينا بالسجن مدة وننتظر تنفيذ حكم الإعدام ،وفي يوم من أيام الآحاد جيء برئيس المحكمة العليا، والقاضي فنفذ في بعض من معي الحكم شنقاً في وسط العاصمة، وبعده بيوم نُفذ الحكم في مفتي العاصمة والعالم الشيخ عبد القادر، وكان دوري أنا وابن أخي يوم الخميس فانتظرت القتل زهاء سبعين يوما.
وبينما نحن كذلك قامت الثورة في الطرف الشرقي في العاصمة فقد أهاج الشعب قتل رؤسائه الدينيين وانتشرت الثورة في البلاد، فأجل الملك تنفيذ حكم الإعدام علينا أنا وابن أخي، وشُغل بإطفاء الثورة ،وفي هذه الأيام انتهز حبيب الله الفرصة وهاجم العاصمة، فاضطر أمان الله أن يفرج عني ثم تنازل عن العرش لأخيه عنايت الله خان وهرب ،ولكنه في مساء ذلك اليوم – اليوم الأول من شهر شوال سنة 1347 – وبعد محاربات وقعت بين قوات الحكومة وبين الثوار انهزمت قوات الحكم واستولى حبيب الله على العاصمة واستسلم عنايت الله.
وكان نادر شاه في ذلك الحين وزيراً مفوضاً للأفغان في باريس فعاد مسرعاً حينما علم بالثورة، ووصل إلى الحدود الأفغانية فالتف حوله الأفغان، وحارب حبيب الله حتى هزمه وقبض عليه وأعدمه فاختارته الأمة الأفغانية ملكاً عليها وفُتحت صفحة جديدة في تاريخ الأفغان.
2.9K viewsأبو ريم, 18:18