2022-05-03 10:48:45
أبو العلاء المعرّي
أألفُ دقيقة أم ألفُ عامِ
كأنك لم تزل تخطو أمامي
أراك تسيرُ بين الناس مثلي
فأسألُ هل فررت من الحمامِ
فجئتكَ والسرورُ يعم نفسي
ويُقعدها على غيرِ انتظامِ
فأوقعني جلالُك في ذهولٍ
فلم أفطِنْ لإلقاء السلامِ
ولو أنّي ملكتُ زمام نفسي
لأدّيتُ التحية باحتشام
لديَّ إليك أسئلةٌ فسرْع
بأجوبةٍ تَبلُّ بها إدامي
علامَ لزمتَ بيتك وهو سجنٌ
حَمدتَ بظلّهِ طيبَ المقام
سخطت على الورى فمكثتَ فيهِ
ورُحت تصب نقدكَ كالسِهامِ
رأيتَ الوحش يقرب مِن ذويهِ
فما لك بعدت عن الأنامِ
عَذرتُكَ حين ضِقت بِأم ذفرٍ
ورُحت تحنُّ للموتِ الزؤامِ
فلو سَلمتْ لك العينان حيناً
لَهمت بِحبّها كُلّ الهيامِ
فمَن ذا يكره الدُنيا وفيها
تطالعُهُ الطبيعة بابتسامِ
لئن تكُ قد فقدتَ ضياء عينٍ
فضوءُ حجاك كالبدرِ التمامِ
أنار لك الطريق فسرتَ فيهِ
وذُو العينين يخبط في الظلامِ
أراكَ مُخالفي من كُلّ رأي
فَهل لك من سبيلٍ للوئامِ
تَعافُ المال وهو أعزّ شيء
حُرمتُ لأجلهِ طيبَ المنامِ
ويؤلمني خِصامك للغواني
فما الداعي إلى هذا الخِصامِ ؟
لعلّك رُمتَ منهن اتصالاً
فمثلُك ليس يخلو من غرامِ
فلما أن صَددْن وضِقت ذرعاً
بِهنّ سلكتَ خطة للإنتقامِ
لكل فتى مرامٌ في العذارى
ومِثلك في شعورك ذو مرام
تبعتَ الوهم فاستخلصتَ رأياً
خَلطتَ بِه الحلال مع الحرامِ
فراعك أن ترى القصّاب يُجري
دَم الشاة الضعيفة في الرغامِ
فهَبها لم تَكن ذُبحت عياناً
أما سيَغولها ليث الحمام
رُويدك لَستَ أرحم من إلهٍ
تَخَيّرها غِذاء للأنامِ
نقمت على الزواج وأنتَ أدرى
بِحِكمته فما هذا التعامي ؟
وقُلتَ لئن رُزقتُ فتى سأجني
عليه بِتركهِ بين الطغامِ
حَنانَك ، علّه يغدو مليكاً
يَتيهُ على الجبابرة العِظامِ
فَتاكَ دعامةٌ لك كيف تَبنِ
خلودَك في الحياةِ بِلا دِعامِ
جَنيتَ عليه حين سرَى لهيفاً
بقبرك يشتكي حُجبُ الظلامِ
قضيتَ العُمر في شَكٍ ممضٍ
تُفتشُ عن مصيرك في الرجامِ
تعز عليك رُوحك حين تمضي
فتسألُ هل تؤول إلى انعدامِ
شكوكٌ حَيّرتك فرُحت تَصْلي
بها ناراً مؤججةَ الضِرامِ
فليتكَ قَدْ أرحتَ النفس مِنها
بِلا رهق لترقد في النِيامِ
ذَممتَ الخمر ثم غرستَ كرماً
مَددتَ ظلاله من ألف عامِ
فهذا شعرُك الجذاب يُتلى
فيفعلُ بالنُهَى فعل المُدامِ
علامَ قد التزمتَ بِه قيوداً
ألمْ تكُ في غِنى عن الألتزامِ
تُحاول أن تَفوق الناس فِكراً
وتِلك منازع الرجُل الهُمامِ
رَهين المحبسين وَددتُ أنّي
بلغتُ بمدحتي حدّ التمامِ
ولكنّي خَتمتُ القول عَجْزاً
فما أدنى ابتدائي من خِتامي
محمد رجب بيومي
3.2K viewsأبو ريم, 07:48