Get Mystery Box with random crypto!

[المقال (215)] بسم الله الرحمن الرحيم ● الصمت عزيز عند الفتن | كشكول عزالدين أبوزخار للبحوث والمقالات العلمية

[المقال (215)]
بسم الله الرحمن الرحيم
● الصمت عزيز عند الفتن ●

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فما أحوجنا في زمن الفتن التي يختلط فيها الباطل بالحق أن نسلك هدي سلفنا الصالح، ونترسم خطاهم، وقد كان من هديهم لزوم الصمت وقت الفتن، فلا يخوضون مع الخائضين، ويثرثرون مع المثرثرين.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (إنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفّوا) [1].
وقال ابن عيينة: [2] عن خلف بن حوشب كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية * تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها * ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت * مكروهة للشم والتقبيل
فلهذا وغيره على الأقزام أن يكسروا الأقلام، ويأخذوا بهدي السلف الكرام، ويكتفوا بما عليه أولي النهى والأحلام.
فالذي يشاهد كثرة الخائضين من الصغار في الفتن التي تموج موج البحار يدرك أن الصمت عزيز.
وهؤلاء الرويبضة الغلمان قد حذرنا منهم نبينا العدنان عليه الصلاة والسلام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)).
قيل: يا رسول الله ! وما الرويبضة ؟
قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)) [3].
فما أحوج هؤلاء الغوغاء ومن لف لفهم من الصبية المختفين خلف شاشات الأجهزة إلى أن يكسروا الأقلام ويمزقوا الأوراق ويكفوا اللسان ويقبلوا على عبادة الواحد الديان، ويطلبوا العلم، ويلزموا السكوت، ويمكثوا في البيوت، هذا لمن أراد النجاة.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صمت نجا)) [4].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت)) [5].
أما ما يُروى (من سره أن ينجو فليلزم الصمت) فهو ضعيف فقد أودعه الإمام الألباني في ((الضعيفة)).
فالخير كل الخير للصغار الصمت عند الفتن، وهذا حال السلف ووصيتهم.
قال العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله في ((الطريق إلى النبوغ العلمي)): (كان السَّلف في الفتن يكثرون الصَّمت ، ويُقلُّون الكلام ، ولهذا كانت كلماتهم تُحفظ ، فتُنقل ، وأمَّا كلام الخلف فهو كثير ، وفي الفتن يكون أكثر ، وهذا من قلَّة العلم).
وهذه جملة من آثار السلف في الحث على الصمت في سائر الأوقات إلا بخير، فكيف في زمن الفتن؟ فالحاجة أشد وأشد.
عن أنس أن لقمان قال: (الصمت حكم، وقليل فاعله) [6].
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة) [7].
وقال وهب بن منبه رحمه الله: (أجمعت الحكماء أن رأس الحكمة الصمت) [8].
وعن شميط بن عجلان رحمه الله قال: (يا بن آدم إنك ما سكت فأنت سالم فإذا تكلمت فخذ حذرك أما لك وإما عليك) [9].
وقال أبو الذيال رحمه الله: (تعلم الصمت كما تتعلم الكلام فإن يكن الكلام يهديك فإن الصمت يقيك، ولك في الصمت خصلتان:
خصلة تأخذ بها من علم من هو أعلم منك، وتدفع بها جهل من هو أجهل منك) [10].
وعن عبد الرحمن بن شريح رحمه الله، قال: (لو أن عبدا اختار لنفسه ما اختار شيئا أفضل من الصمت) [11].
وقال ربيط بن إسرائيل رحمه الله: (زين المرأة الحياء وزين الحكيم الصمت) [12].
وقال سفيان الثوري رحمه الله: (أول العبادة الصمت ثم طلب العلم ثم العمل به ثم حفظه ثم نشره) [13].
وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: (الصمت أمان من تحريف اللفظ وعصمة من زيغ المنطق وسلامة من فضول القول وهيبة لصاحبه) [14].
وعن عبد الله ابن دينار عن كلام الحكماء قال: (الصمت على خمس: على علم وحلم وعي وجهل وعظيمة ! !) [15].
وقال ابن حبان البستي رحمه الله في ((روضةُ العقلاء ونزهة الفضلاء)): (الواجب على العاقل أن يلزم الصمت الى أن يلزمه التكلم، فما أكثر من ندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاء مطبق).
وقال ابن حزم رحمه الله كما في ((رسائله)): (ما أجمل الصمت في القضايا الحساسة، فكم شاهدنا ممن أهلكه كلامه، ولم نر قط أحداً بلغنا أنه أهلكه سكوته).
وقال ابن رجب رحمه الله في ((فضل علم السلف على الخلف)): (فما سكت من سكت عن كثرة الخصام والجدال من سلف الأمة جهلاً ولا عجزًا، ولكن سكتوا عن علم وخشية لله).
وقال ابن رجب رحمه الله في ((جامع العلوم والحكم)): (كان السلف كثيرًا يمدحون الصمت عن الشر، وعما لا يعني؛ لشدته على النفس، وذلك يقع فيه الناس كثيرًا، فكانوا يعالجون أنفسهم، ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم .(