2021-10-06 11:08:30
[المقال (223)]
بسم الله الرحمن الرحيم
● حذف المشايخ والعلماء بالسؤال ●
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن السفاهات أن يقدف الواحد العالم والشيخ بالسؤال ولا يراعي أدب الطلب وأخلاق الإسلام.
واللوم كل اللوم على التلاميذ وطلاب العلم الذين أتنوا ركبهم في حلق العلم وفي مجالس الذكر ولم يراعوا هذا الأدب.
ويمكن تقسم هذا القذف إلى قسمين:
أولا: القذف الحسي.
للأسف هذا القذف يحصل من أقرب الطلاب الذين يجلسون حول منضدة التدريس للشيخ، والأولى بهم أن يكونوا أكمل أدبًا وأتم خلقًا وأحسن سمتًا.
ففي بعض حلق العلم طريقة عرض السؤال تكون بكتابته في ورقة، وتنتقل ورقة السؤال من طالب إلى الذي أمامه حتى تصل إلى أضيق حلقة وأول حلقة وأقربها من الشيخ، والطالب جالس أو مسند ظهره على كرسي فما أن تصله ورقة السؤال ينهض قليلًا ويمد يده فإذا قرب من منضدة الشيخ قذف السؤال بلا حياء ولا خجل.
والأدب الحسن والخلق الجميل أن ينتدب طالب بجمع الأسئلة ثم يقف ويضعها برفق في يده الشيخ، فإذا لم يقوم أحد بجمع الأوراق فعلى الطلاب ممن حول الشيخ أن يضعوا السؤال مع كامل الأدب والهدوء، ولا يقذف السؤال قذفًا، فليس قذف ورقة السؤال من آداب طالب العلم.
قال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) (ص: 109) : ((ولا يحذف عليه شيء حذفًا من كتاب أو ورقة أو غير ذلك)) اهـ.
ومن ضمن هذه العشوائية والعبث أن لا يريد الطالب حذف السؤال بقوة فيحذفه حذفًا برفق لتقع الورقة على طرف المنضدة، وتتوزع الأوراق حول الشيخ هنا وهناك، فيلتجئ الشيخ للالتقاط تلك المقذوفات ومد يده إلى أقصى طرف المنضدة وربما مد ظهره أو وقف وهو يجمعها، وهذا أيضًا ليس من أدب الطالب.
قال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) (ص: 109) : ((ولا يحوج الشيخ إلى مد يده أيضًا لأخذه منه أو عطاء، بل يقوم إليه قائمًا ولا يزحف زحفًا)) اهـ.
ثانيا: القذف المعنوي.
وهذا النوع من قذف السؤال يقصد به ما يتعلق بطريقة عرض السؤال ومحتواه.
إلقاء السؤال من غير معرفة بعض التفاصيل التي ينبني عليها الجواب، فالبعض إذا خطر عليه السؤال قذف به بدون أدني تفكير.
إلقاء السؤال من غير أدب في المخاطبة.
من التوقير أن يراعي الطالب الأدب في مخاطبة شيخه، فلا يناديه باسمه مجردًا، بل يقول: يا شيخنا، أو يا شيخي، فلا يسميه، لأنه أرفع في الأدب، وأرق في الخطاب، ولا يناديه من بُعدٍ من غير اضطرارٍ، ويخاطبه بصيغةِ الجمعِ توقيرًا، نحو؛ ما تقولون في كذا، وما رأيكم في كذا.
واقرأ أخي -أحسن الله إليك- ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخير - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، وهذا أصل في تمييز ذي المنزلة، ويفرق بينه وبين من لم يلحق بطبقته.
وقال الخطيب -رحمه الله في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي)) : ((وإذا خاطب الطالب المحدث عظمه في خطابه بنسبته إياه إلى العلم، مثل أن يقول له: أيها العالم، أو أيها الحافظ، ونحو ذلك)) اهـ.
إلقاء السؤال بدون مراعاة الوقت المناسب متى حضر السؤال هجم على الشيخ أو اتصل وقذفه بسؤاله كيفما اتفق.
ومن قذف السؤال إلقاء السؤال من غير أن يصدره بالدعاء أو يختمه بالدعاء.
قال العلامة ابن جماعة الكناني رحمه الله في ((تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)) : ((ومن الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به طالب العلم مع شيخه أن يقدم بين يدي سؤاله الدعاء له، كما كان بعض السلف يقول: (اللهُمَّ استر عَيبَ معلمي، أو شيخي، ولا تُذهب بركةَ علمِهِ عني)) اهـ.
بل من الوفاء الدعاء للشيخ في ظهر الغيب.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما في ((الانتقاء في فضل الأئمة الثلاثة الفقهاء)) لابن عبد البر: ((ما صليتُ صلاةً منذ أربعينَ سنةً إلا وأنا أدعو فيها للشافعي. ولكثرة دعائه له قال له ابنُه: أيَّ رجلٍ كان الشافعيُّ حتَّى تدعوَ له كلَّ هذا الدعاءِ؟ فقال: يا بُنَيّ، كان الشافعيّ كالشمسِ في الدُّنيا والعافية للناس، هل لهذين من خَلَفٍ؟)) اهـ.
كذلك حذف الشيخ بالسؤال وهو مشغول.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في ((فتح الباري)) : ((وأما المتعلم فلما تضمنه من أدب السائل أن لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره لأن حق الأول مقدم ويؤخذ منه أخذ الدروس على السبق وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها)) اهـ.
ومن طرق قذف العالم بالسؤال اغضابه بطريقة السؤال ونحوها.
ومن صور قذف الشيخ بالسؤال مقاطعته في جوابه بسؤال واعتراض.
41 views08:08