2023-04-25 13:43:59
مراتب التوبة & مراتب التائبين
يقول آية الله السيد محمد حسن البجنوردي -رض- :-
أمّا بيان مراتب التوبة:
الأولى - مرتبة النفس المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضيّة - : وهي أن يندم على صدور جميع المعاصي التي صدرت منه، ويعزم على الإحتراز والإجتناب عن جميع المعاصي وما حرمه الله، كبيرة كانت أو صغيرة، ويستديم على هذا العزم وهذه النية طول عمره وينزّه قلبه ويطهّره عن جميع الرذائل والصفات السيئة، ويحلّيها بالأخلاق والملكات الحسنة الحميدة كي يكون قلبه سليماً عن كل عيب ونقص، ويَردَ على الله تبارك وتعالى بعد موته بقلب سليم الذي لا ينفع في ذلك اليوم غيره شئ، لا مال ولا بنون. فهذه هي التوبة الكاملة وأعلى مراتبها، ومعلومٌ أنّ هذه المرتبة لا تحصل إلا بإعطاء كلّ ذي حق عليه حقّه، سواء كان الحق متعلقاً بأموال الناس، أو بأنفسهم، أو بأعراضهم حتى لا يكون عليه تَبعة ويلقى الله أملس، لا يكون عليه تبعة من أحد المخلوقين.
الثانية - مرتبة النفس اللوامة - : وهي أن يتوب - كما ذكرنا في المرتبة الأولى - ويندم على جميع ما صدر منه من المعاصي، ولكن مع ذلك قد تصدر عنه ذنوب في مجاري حالاته، كما هو الحال في أغلب التائبين، فإنّهم وإن تابوا وعزموا على الترك ولكن ربما يتسامحون ويتساهلون في حفظ أنفسهم، أو يغلب عليهم شهواتهم فيخرجون عن الجادة المستقيمة، ويرتكبون بعض المعاصي الصغيرة، بل وفي بعض الأحيان الكبيرة أيضا، ولكنهم بعد الصدور يلومون أنفسهم على ما صدر منهم، ويندمون على ما ارتكبوا وعلى خروجهم عن الجادة المستقيمة.
الثالثة - مرتبة النفس الأمّارة بالسوء - : أي أنّه بعد ما تاب وندم عما فعل وصدر منه نفسه تشتاق إلى ما تاب عنه وتأمره بالعود، ولكن لا يعود إلا في فروض نادرة. والتائب إن أطاع النفس الأمّارة بالسوء ربما ينتهي أمره - العياذ بالله - إلى سوء الخاتمة، وصيرورة الفسوق ملكة له فلا يمكن زوالها، بل ربما ينجر إلى الكفر، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله}_الروم: ١٠_ نستجير بالله من سوء العاقبة والخاتمة.
وأما بيان مراتب التائبين، فهم على أقسام:
القسم الأول: مَن نسي الذنب الذي تاب منه، ولا يتفكر فيه أصلاً، فكأنه لم يصدر منه شئ كشارب الخمر الذي ترك شرب الخمر وصار شرب الخمر عنده نسيا منسيا ولا يتفكر فيه أصلاً، لانه خرج من ذلك العالم بالمرّة ولايختلط مع شاربي الخمور وليس في عالمهم، وهكذا الامر في سائر الفسوق.
القسم الثاني: مَن جعل فسقَه نصبَ عينيه، ودائما يتفكر ويتأسف على ما فعل ويظهر الندامة والأسف، ويحترق قلبه على تلك الخطيئة ويبكي ويتضرع إلى الله ويرجو عفو ربه الغفور ورحمته الواسعة، وأن يطهر قلبه من رجس تلك المعصية، وأن يوفّقه في المستقبل للعزم وترك المعصية وبقائه واستمراره على ذلك، وأن يحفظه من شر آثارها الوضعية.
ولاشك في أنّ القسم الأول إذا كان طريق الكمال والترقي - بمعنى الترقي من عالم المعاشرة مع الأراذل وأصحاب الملاهي وشرب الخمر ولعب القمار ودخوله في الأخيار والزاهدين والعرفاء الشامخين - أفضل وأحسن من القسم الثاني؛ لأنه انعزل من ذلك العالم إلى عالم أعلى ومرتبة أكمل.
القسم الثالث: هو الذي وإن كان تاب يخلط الصلاح بالفساد، فهو وإن كان يواظب على العبادات وإتيانها في أوقاتها من الصلاة والصوم وأداء الزكاة وغيرها، ولكن مع ذلك كله قد يغلب عليه الشهوات، خصوصاً حبّ الجاه، فيرتكب بعض المعاصي الصغيرة والكبيرة أيضاً.
فهذا القسم هو الغالب في التائبين، وهم تحت رحمة الله تعالى ولطفه العميم، فإما أن يعذبهم نستجير بالله الغفور الرحيم، وإما أن يغفر لهم، خصوصاً الأمور الراجعة لمولانا أبي عبد الله الحسين -عليه السلام- من الزيارات والعزاءات لمستحبات وواجبات عملوها مع الإخلاص والنية الصادقة مخلصين لله تبارك وتعالى، كما هو المرجو لشيعة مولانا أمير المؤمنين ومحبي الأئمة الطاهرين المعصومين -عليهم السلام-، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} _التوبة: ١٠٢_.
#الدروس_الاسلامية
#بحوث_دينية
القواعد الفقهيّة، ج٧، ص٣٥٩-٣٦٢، من ط. الثالثة ١٤٢٨هـ، بتصرف.
.
نسألكم الدعاء ..
931 viewsحسين, edited 10:43