عذابُ القبر.. بين الواقع والخيال (الحلقة الرابعة) تقدم | الدر العاملي
عذابُ القبر.. بين الواقع والخيال (الحلقة الرابعة)
تقدم الكلام في الحلقات السابقة حول آيات نعيم القبر وعذابه، وفي هذا الحلقة نستعرض جملةً من الروايات الكثيرة جداً عند المسلمين، *ـ والتي بلغت حد التواتر كما صرح به غيرُ واحد، حتى كان الاعتقاد بعذاب القبر من المسائل المتفق عليها عند جميع المسلمين، ولم ينسب إنكار عذاب القبر إلا إلى شخص واحدٍ من المخالفين، وهو ضرار بن عمرو ـ* بحيث تتحقق بها الغاية عند أهل التدبر والدراية.
ويكفي أن يتصفَّحَ طالبُ الحقيقة رواياتِ الأدعية والصلواتِ وثوابِ الأعمال ليرى أن الأمرَ أجلى من الشمس في رابعةِ النهار!
أنموذجان من طرق الشيعة *روايات الاستعاذة من عذاب القبر،* كالمروي في مصباح المتهجد ص٩٤ و٣٣٤ و٤٧٧ و٦٨٩، وغيرها في غيره، وهي كثيرةٌ جداً، *مما يدل على كونه من المسلمات، فتدبر.*
*روايات ثواب بعض الصلوات والأعمال* من كونها تدفع عذاب القبر، أو تستجلب نعيمَهُ،* وهي كثيرةٌ جداً جداً!! كالمعتبر المروي عن الإمام الباقر (سلام الله عليه) في ثواب من زار الإمام الحسين (سلام الله عليه) تشوقاً، حيث جاء فيه: *«…ويفْسَحُ له في قبره مَدَّ بَصَرِهِ، ويؤمنه الله مِن ضَغْطَة القبر، ومِن مُنكر ونَكير أن يُروِّعاه، ويُفتحُ له بابٌ إلى الجنّة…».* كامل الزيارات ص١٥٥ ح٣ أقول: هذا الحديث أثبت نعيم القبر وعذابه كما لا يخفى؛ وشبيه هذا المضمون مرويٌّ بكثرةٍ في كتب المسلمين جميعاً.
أنموذجان من طرق المخالفين *استعاذة النبي (صلَّى الله عليهِ وآلِه)، وأمره الصحابة بالاستعاذة من عذاب القبر،* حيث رووا بأسانيدهم الصحيحة عندهم، في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم، كما في البخاري ج٢ ص٢٦ باب التعوذ من عذاب القبر، وفي مسلم ج٢ ص٩٢ باب استحباب التعوذ من عذاب القبر، رووا أن النبي (صلَّى الله عليهِ وآلِه) كان يستعيذ في صلواته من عذاب القبر، ويأمر المسلمين بذلك.
*دعاء النبي (صلَّى الله عليهِ وآلِه) لأبي سلمة بنعيم القبر،* رواه جمعٌ منهم، وممن رواه مسلم في صحيحه (ج٣ ص٣٨) بإسناده، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أنه قال (صلَّى الله عليهِ وآلِه): «اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، *وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ».* أقول: وهذا دعاءٌ صريحٌ بنعيم القبر، وإلا فما معنى التوسعة في القبر ونشر النور فيه؟!
*ولو أردنا جمعَ روايات نعيم القبر وعذابه ـ من طرق الفريقين ـ لألفنا كتاباً في ذلك، لكثرة الروايات كما أسلفنا.*
في الحلقة القادمة نستعرضُ أدلةَ المنكرين لعذاب القبر، ونجيب عنها إن شاء الله، وصلى الله على حبيبه محمَّدٍ وآل محمَّدٍ الأطهار المعصومين.
