Get Mystery Box with random crypto!

'وإني لأهوى قمرا'.. مشاهد العشق في التراث العربي . ( 2 من 3 | قناة وشبكة اللؤلؤة

"وإني لأهوى قمرا"..
مشاهد العشق في التراث العربي .

( 2 من 3 )

ويبدو أن "مشكلة" العشق والعشاق قد داخلت عالم الساسة من نوافذ الشعراء والأدباء الذين كانوا يخالطونهم، ويأخذون عنهم ظرفهم وأدبهم وأخبارهم؛ لا سيما أخبار البادية التي عظم فيها خطبُ الحب العُذري العفيف.

وحتى المأمون الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد شغلته مسألة العشق فأراد أن يعرف وصفها وعالمها فسأل فيها التابعي والمحدّث فقيه عصره، وقاضي قضاة زمانه يحيى بن أكثم التميمي، عن العشق ما هو؟ فقال له يحيى:

هو سوانح تسنحُ للمرء، فيهتمّ بها قلبه، وتؤثرها نفسه.
وكان في الحضور ثمامة بن الأشرس النميري وكان نديما ظريفًا ذا خبرة ودُربة بهذه المسألة فقال:
اسكت يا يحيى! إنما عليك أن تُجيب في مسألة طلاقٍ أو مُحرِم صادَ ظبياً أو قتلَ نملةً، فأما هذه فمسائلنا نحن.
فقال له المأمون:
قل يا ثمامة، ما العشق؟
فقال ثمامة: العشقُ جليسٌ ممتع، وأليفٌ مؤنِس، وصاحبُ مُلك، مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائزة، ملَك الأبدان وأرواحَها، والقلوبَ وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأُعطي عنان طاعتها، وقوْدَ تصرفها، توارى عن الأبصار مدخلُه وعمي في القلوب مسلكُه.
فقال له المأمون: أحسنت والله يا ثمامة! وأمر له بألف دينار .

وإذا كان العشق تعريفا وتوصيفا مختلفا بحسب حالة الواصف؛ لأنه إحساس داخلي يغلب فيه الذاتي على الموضوعي، والنفسي على المدرسي، فإن أشد مشاهد العشق قتامة في نفس العاشق لحظات الفراق الفجائي التي أذهلت بعضهم فصار مجنونا أو كئيبا مدى الحياة !

مشاهد الفراق ..

إن ألم العشق الأكبر، وطامته الكبرى التي قد تودي بحياة المحب أو تُذهب بعقله في مشاهد تراثنا المتنوعة؛ مفارقة المحبوب عن نظر المحب، وبعده عن قلبه، أو مقابلة الحب بالصد والنكران والهجر الدائم.

فلما أعتقت عائشة رضي الله عنها جاريتها بَريرة، وكان زوجها حبشيا، اسمه مُغيث، خُيرت بين الإقامة معه وبين مفارقته، فاختارت المفارقة، فكانت إذا طافَت بريرة بالبيت العتيق طاف مغيثٌ خلفها، ودموعُه تسيل على خديه.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمّه العباس: يا عمّ أما ترى حُبَّ مغيث لبريرة؟ لو كلّمناها أن تتزوجَه! فدعاها وكلّمها، فقالت:
يا رسول الله إن أمرتني فعلتُ .
قال: أما أمرٌ فلا، ولكن أشفعُ.
فأبَت أن تتزوجَه ، قال الراوي: فهذا مَن قد رآه رسول الله، وشهد لشدّة عشقه، وشفع في بابه.

ويزداد مشهد العُشّاق قتامة حين نرى ابن زريق البغدادي في القرن الرابع الهجري منذ ألف عام يترك حبيبته في بغداد إلى قرطبة عاصمة الأندلس؛ أملا في لقاء الخليفة الأندلسي، وطمعا في نواله؛ رغبة منه في تحسين حالته المادية، لعله أن يعود إلى ابنة عمه ومحبوبته ليبدآ سويًا حياة جديدة سعيدة لا فاقة فيها ولا تعب، على أن الخليفة الأندلسي أراد أن يختبر هذا الشاعر فأعطاه شيئاً نزراً قليلاً من المال، فقال ابن زريق البغدادي: إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكتُ البراري والبحار والقِفار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر؟
فانكسرت إليه نفسه واعتلّ فمات.

وشُغل عنه الخليفة أياما، ثم سأل عنه فخرجوا يسألون عنه، فانتهوا إلى الخان (الفندق) الذي كان فيه وسألوا عنه، فقالت:
إنه كان في هذا البيت، ومذ أمس لم أره، فصعدوا فدفعوا الباب، فإذا بالرجل ميتا، وعند رأسه رقعة مكتوب فيها واحدة من نوادر الأدب العربي التي تنضح جمالا وألما في آن، فيها يخاطب حبيبته التي حذّرته من المغادرة والفراق والبُعد، يقول:

لا تَعْذُليهِ، فإنّ العَذلَ يولِعُهُ
قد قلتِ حقّاً، ولكن ليس يسمعُه

جاوَزْتِ في نُصْحِهِ حدا أضرّ بِهِ
من حيثُ قَدّرْتِ أن النصْحَ ينفعه

قد كان مضطلِعا بالخطْبِ يحمِلُه
فضُلّعَتْ بخطوب البَينِ أضلُعه

ما آبَ مِن سفرٍ إلا وأزْعَجَهُ
عزْمٌ إلى سَفَرٍ بالرُّغْمِ يُزْمِعُه

كَأنّما هُوَ في حلّ وَمُرْتَحَلٍ
مُوَكَّلٌ بِقَضَاءِ اللهِ يَذرعه

أستَوْدعُ الله، في بغداد، لي قمراً
بالكَرْخِ من فَلَكِ الأزْرَارِ مَطلعُه

وكم تَشَفّعَ بي أن لا أُفَارِقَهُ،
وللضّرُوراتِ حالٌ لا تُشَفِّعُه

وكم تَشبّثَ بي يوْمَ الرّحيل ضُحى،
وأدمُعي مُسْتَهِلاّتٌ وأدمُعُه

أُعْطيتُ ملكاً فلمْ أُحسِن سياستَه،
وكلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلعُه

ومَن غدا لابساً ثوْبَ النّعيمِ بِلا
شكرٍ عليه، فعنهُ اللهُ ينْزِعُه

فلما وقف الخليفة الأندلسي على هذه الأبيات بكى حتى اخضلّت لحيته، وقال:
وددتُ أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي.
وكان في رقعة الرجل:
منزلي ببغداد في الموضع المعروف بكذا، والقوم يعرفون بكذا، فحُمِل إليهم خمسة آلاف دينار، وهكذا كانت نهاية ابن زريق وحسرته على فقدان ابنة عمه، وبُعده عنها.

يتبع…


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شبكة وقناة اللـؤلؤة المتنوعة .
صاحب الامتياز : موسى المقطري .
● واتس: 733461803
● تليجرام: https://t.me/Al_Loloah