Get Mystery Box with random crypto!

وظيفة الفقيه هي بيان الحق الذي يعتقده، مع بذل غاية الوسع في تغ | السبيل

وظيفة الفقيه هي بيان الحق الذي يعتقده، مع بذل غاية الوسع في تغليف ذلك بسياسة العلم والحكمة والموعظة الحسنة ومراعاة السياقات والأحوال، وهو مسؤول عن ذلك كله، وليس له أن يغيّر شيئًا من ذلك - تشديدًا أو تسهيلًا - تحت وطأة الضغوط الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية، [قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي]!

وسيجد الفقيه من يريد أن يحمله على ذلك من الجانبين، فيقول له قائل: إن لم تشدد أو تسكت سيترك الناس الخير، ويقول قائل: إن لم تيسّر أو تسكت لن يأتي الناس إلى الخير، ثم يضيع الحق بين القائِلَين!

ومن أعظم أسباب ذلك - عند الصادقين بغض النظر عن المنافقين والجهلة وأهل الأهواء - هو الكسل الإصلاحي، فبدلًا من بذل جهود كبيرة متطاولة في تغيير معماريات العقول والقلوب يعمد الإنسان إلى الطريق الأقصر بحسب ميله وطبيعة الضغوط.

فبدلًا من بذل الجهد في الأخذ بيد الناس إلى الخير وغرس حب الله وطلب المعالي في نفوسهم ومجادلتهم بالحسنى وإعانتهم على أهوائهم = يريد البعض أن يسوقهم إلى كل فضيلة بسيف الإيجاب ويصرفهم عن كل مفسدة بسيف التحريم، وهذا نفسه مشاركة في كارثة إسقاط الاستحباب والكراهة الشرعيين من الاعتبار الجاد! .. ويريد آخرون أن تنزع من الدين كل مشقة ومخالفة للهوى وشهوات النفس لكيلا يجد المدعو إليه أي مجاهدة أو مدافعة!

وهذا مع كونه باطلًا في نفسه إلا إن تصور تأدية ذلك إلى إصلاح الناس حقًا على المدى البعيد - وليس بالنظر تحت الأقدام - وهم وسذاجة!

وقد يريد المتفقه - بحسن نية - سياسة الناس ومداراتهم فيخشى أن يتكلم فيُقال متعنت منغلق ظاهري صحراوي راديكالي، أو يخشى أن يتكلم فيُقال مميع متساهل ضعيف في الحق، وقد يخشى من أن يُقال عنه يخشى، وقد يكون مع ذلك في نفسه ميل للشدة أو اللين أو شفقة على الناس أو آثار مجالدة المنافقين المفسدين أو تأثر بسياقات شخصية أو خصومات تؤثر في أحكامه!

ومن هنا تعلم خطر ذلك الشأن، كلمة يقولها الإنسان سيُسأل عنها بين يدي الله أعظم سؤال، وقد تُلقي به في نار جهنم، وكذلك سيُسأل عن سكوته عنها، وهو مع ذلك يحتاج في القول أو السكوت إلى التخلص من أكبر قدر ممكن من النوازع غير الموضوعية التي تحيط به من كل جانب، بل تخالط روحه وقلبه!

هذا وأمثاله يخبرك لماذا كان الصحابة يتدافعون فتوى متعلقة برجل واحد، ويود كل واحد منهم لو أن أخاه قد كفاه ذلك الهم العظيم، فكيف بكلمة يتلقفها عشرات أو مئات أو آلاف أو أكثر؟!

كريم حلمي