Get Mystery Box with random crypto!

الحرية الشخصية: هذه الحجة تقوم على مبدأ 'أنت حر ما لم تضر' Ha | السبيل

الحرية الشخصية:

هذه الحجة تقوم على مبدأ "أنت حر ما لم تضر" Harm principle، وهو مبدأ ليبرالي يفترض بأن لكل فرد الحق في فعل كل ما يشاء ما لم يسبب ذلك الفعل أذية مباشرة لفرد آخر وهذا هو المقياس الوحيد لتحديد ما هو التصرف الذي يمكن السماح به والذي لا يمكن السماح به لدى الليبراليين.

مبدأ الـ "لا ضرر" هذا قد يبدو معقولاً من حيث الظاهر، لكن مشكلته أنه لا يحدد بالضبط ما معنى الضرر، ويتجاهل تماماً الأذى والضرر غير المباشر الذي يسببه فعل ما قد يبدو غير مضر على بقية الأفراد، ويتجاهل أكثر من ذلك ما قد يسببه للمصلحة العامة للمجتمع، ويحصر معنى الضرر في استعمال العنف الجسدي/اللفظي أو التهديد به.

هذا التجاهل من قبل الليبراليين يعود في الأصل إلى فلسفتهم وأساطيرهم المؤسسة من القرن 17 التي ترفض أن يكون الإنسان كائنا اجتماعيا وتعتبر أن المجتمع هو مجرد حالة مصطنعة اضطر إليها الفرد لحماية نفسه وممتلكاته. أسطورة يرفضها أي حس سليم لكن أيضًا الأبحاث المعاصرة التي تؤكد دائمًا على أن الإنسان كائن اجتماعي وأن دماغه مصمم للعيش داخل مجتمع ومن ليس كذلك فهو يعاني من اضطراب عقلي هو "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع" Sociopathy. هذا يعني أن الإنسان [بشكل عام] سهل التأثر بتصرفات غيره من البشر ولديه ميول غريزية لتقليديهم. بل إن علم الاعصاب يتحدث عن خلايا عصبية مرآتية Mirror neurons تنشط عند مشاهدة أي فعل لكائن آخر [بالأخص إذا كان من نفس النوع] بشكل وكأن المشاهد هو من يقوم به، هذه الخلايا العصبية تلعب دورا مهما في العلاقات الاجتماعية والتعليم وطبعاً التقليد والتجاوب العاطفي. وبالتالي أي فعل يقوم به الإنسان في "المجال العام" وأمام الملأ هو نوع من تحفيز الآخرين على القيام به وبالتالي لا يمكن اعتباره مجرد فعل محايد خالٍ من إلحاق الضرر بالآخرين، ما يعطي الحق للمجتمع أو من يمثله سلطة تقدير ما ينبغي على الفرد الالتزام به في "المجال العام" على الأقل لحماية الأطفال وبقية الأفراد ذوي الشخصية سهلة التأثر بدون المساس بحرية الفرد في المجال الخاص [الملكيات الخاصة] والبعيدة عن الأنظار.

ربما أبسط مثال يستشهد به حول النزعة الطبيعية لدى البشر نحو التقليد هو "الموضة" وكيف تنتقل بين الأفراد، وهناك أمثلة أخرى أكثر راديكالية ومتعلقة حتى بأسوء مخاوف الإنسان: الموت. مثل ما نجده في حالة انتحار الممثل الأمريكي "روبن ويليامز" شنقاً والتي صدمت المجتمع الأمريكي، حيث تتحدث الإحصاءات عن زيادة غير متوقعة بـ 10٪ في عدد المنتحرين، و32٪ في عدد المنتحرين شنقاً. دراسات أخرى لاحظت زيادة في نسبة الانتحار بين الجنود الأمريكيين الذين سبق وانتحر أحد زملائهم.

هناك أيضاً تأثير سلبي آخر للحرية الشخصية [أو بالتحديد ما يسمى بـ حرية الاختيار] على المجتمع خارج موضوع التقليد يتمثل في بعض الرغبات التي يريد بعض الأفراد من المجتمع أن يدفع ثمنها ويتحمل مسؤوليتها الأخلاقية، مثل المتحولين جنسياً أو الراغبين في القتل الرحيم والإجهاض الذي يريدون من المجتمع توفير الموارد البشرية وتحمل ثمن خياراتهم الشخصية من خلال التأمين الصحي.

وهناك أيضاً بعض الخيارات الفردية التي قد تصبح عبئا اجتماعيا واقتصاديا على المجتمع عندما تتجاوز حداً معينا، مثل خيار الطلاق الذي قد يسبب مشاكل اجتماعية (جريمة، تسرب مدرسي...) أو قد يحدث أزمة في السكن بسبب زيادة الطلب.

إذن من السخافة التحجج بالحرية الشخصية لتبرير أفعال الفرد خاصةً في المجال العام، كل ما قد يفعله الفرد له تأثير مباشر أو غير مباشر على بقية المجتمع، سواء كان ذلك تأثيرا إيجابيا أو سلبيا.

هذه الحرية الشخصية التي تتحدث عنها تنتهي عند عتبة باب بيتك ثم تبدأ بعدها حرية المجتمع، حريته في أن يحمي نفسه ويعيش وفق النموذج الخاص به لا وفق النموذج الواحد الذي يراد فرضه على كل البشرية.

** الصورة عن تزايد من يعتبرون أنفسهم من مجتمع الشـ وا ذ في الولايات المتحدة، من 3.5% سنة 2012 إلى 5.6% سنة 2020

حسّ سليم