Get Mystery Box with random crypto!

تصر 'جعفر توك' (في آخر صيحاتها) على وضعنا بين خيارين اثنين لا | السبيل

تصر "جعفر توك" (في آخر صيحاتها) على وضعنا بين خيارين اثنين لا ثالث لهما:
إذا تعارض العلم مع الدين، لمن تلجأ/ين؟

طيب هل يمكن أن نقلب السؤال فنقول: هل تختار والدك أم والدتك؟
أو بطريقة أخرى: هل تشرب القهوة أم الشاي؟

لماذا تخيِّر الإنسان بين والده ووالدته، ألا يمكن أن يختارهما معا؟ ولماذا تخيِّره بين القهوة والشاي؟ ألا يمكن أن يشرب العصير مثلا؟

هذه بالضبط هي مغالطة الحصر الخادع، حينما يضعك المُغالِطُ بين خيارين كلاهما غير صحيح، أو يتسع الاختيار لغيرهما. فيسوق لك سؤالا ملغومًا يفترض أن العلم والدين يتعارضان، وأنه عليك أن تختار بينهما، فأنت في نهاية المطاف إما لاهوتي ميتافيزيقي خرافي رجعي، وإما عقلاني متنور معتقد في الحقائق الوضعية والمنهجية العلمية. هذا هو المغزى الحقيقي من السؤال، وهي المصادرة الثاوية فيه، لأننا باختصار، أمام بوقٍ يروج لكل الأيديولوجيات الفاسدة، وعلى رأسها، العقيدة البائسة التي طمَّت العالم= العلموية (The Scientism).

طيب، هل العلماء الكبار الذين أثَّروا في تاريخ العلوم الطبيعية (عدد كبير منهم على الأقل)، كانت لهم رِدَّة مثلا؟ هل ألحدوا؟ هل خرج إسحاق نيوتن من الدين عندما صاغ لنا قوانين الفيزياء والحركة؟ هل اختار جيمس كلارك ماكوسيل بين النصرانية والكهرومغناطيسية؟

يقول الأستاذ دايلي غابريال Daly Gabriel في حديثه عن واحد من أعظم الكيميائيين والفيزيائيين: «كان مايكل فاراداي رجلاً شديد التدين. وكانت في منزله غرفتان يتردد عليهما باستمرار: مختبر وغرفة للصلاة. وأجد أن المختبر وقاعة الصلاة رمزان مفيدان للتعبير عن العلاقة بين العلم والدين. من الجلي أن فاراداي لم ير أي تناقض في الانتقال من غرفة إلى أخرى. نفس الشخص استعمل الغرفتين، على الرغم من اختلاف العمل الذي مارسه في كل غرفة، لا شك أنه عندما كان يؤدي الصلاة، كان يستحضر من حين لآخر بعض الظواهر التي كشفت عنها دراساته العلمية ويمتدح الإله على إبداع الخلق.»
Daly, Gabriel. “Science, Religion and Scientism.” The Irish Review (1986-), no. 27 (2001): 50.

لكن يبدو أن دعاة الوثنية الجديدة (مقدِّسةُ العلم الطبيعي) يسعون لحبسنا في غرفة واحدة، ومن الواضح أنها غرفة المادية، وإن شئت قل: غرفة العدمية.

ولذلك كنت ومازلت أقول، إن العلموية هي أخطر وأكبر فتنة وثنية منتشرة في العصر الحديث، وهي الباب الأوسع للإلحاد. وللموضوع عودة، بل عودات.
Mohamed Amine Khoulal