Get Mystery Box with random crypto!

قراءة الماضي تحت ضغط الواقع تولَّدت العديد من المصطلحات المعا | السبيل

قراءة الماضي تحت ضغط الواقع

تولَّدت العديد من المصطلحات المعاصرة نتيجة تَولُّد بعض التيارات الفكرية التي ساهمت في تشكيل وتكوين الواقع الحالي، وهذا الكيان الاجتماعي الجديد أحدث ضغطًا على المسلمين المعاصرين؛ فاضطروا كذلك إلى صك بعض المصطلحات لينافحوا بها عن الدين، فبعد الشقاق الذي وقع في متسلسلة التاريخ الأوروبي بين العلم التجريبي والدين، والذي أفضى إلى جنوح النزعة العلموية؛ إذ لم يقتصروا على الكاثوليكية، بل انتقلوا بهذا الحكم إلى كل ديانة، فأخذ بعض المشتغلين في الساحة وضع الدفاع عن طريق تعزيز المصطلحات التي توائم بين “العلم” و “الدين”، وتضع الشقاق بينهما، ظنًا منهم أنهم هكذا يخرجون الإسلام من مأزقٍ كبير ضائق.

وبالرغم من وجود بعض جوانب النظر حول هذه المصطلحات وتأثيرها في الواقع، ومآلات اعتمادها كمسلّمات مرتبطة بهذا الواقع، إلا أنّ مناقشتنا في هذا المقال ستكون حول تأثيرها الممتد في عمق الماضي والتاريخ، فمع اعتياد واعتماد هذه المصطلحات وغيرها، أصبح الخروج عنها أو تصوّر الواقع بدونها أمرًا شاقًا خارجًا عن سياج العقل الجمعي المعاصر، فنجد أنه قد نُقِلَت هذه المصطلحات إلى الحِقَب الماضية ووُصِفت بها، فعند ذكر العلماء المسلمين وما قدموه، أول ما يتبادر إلى الذهن هم العلماء الذين أسهموا في جانب العلم التجريبي كالبيروني وابن الهيثم وغيرهما، ثم تتم عملية الانتقال الثانية والتي تتمثل في اتخاذ هذه المنجزات كبرهانٍ ساطع على كون الإسلام لا يعادي العلم التجريبي ولا يتعارض معه، ثم يُحصَر تقدُّم المسلمين في هذه الحقبة، وهذا بمثابة اعتراف ضمني لمعيارية التقدم المادي لنهوض الأمم، ثم نعود مرة أخرى إلى واقعنا لنرى أن التقدم المادي ليس بين أيدينا، فنعيش تحت ضغط سؤال “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”، وهكذا دواليك نعيش في غمرة تلك الدوامة.

والإشكال الذي وقع فيه من يسير في هذا المضمار يتمثل في أمرين أساسيين:

أولهما: أنه تم استدعاء إشكالات الحاضر ومصطلحاته التي نتجت عنه إلى حِقَب في الماضي لم تعش هذه الإشكالات، وبالتالي فإن استدعاء هذه المصطلحات يعد باطلًا لا معنى له، فهي بمثابة تصدير بطارية هاتف إلى زمن ما قبل الهاتف، فأصحاب البطارية يُنَظّرُون حولها، ويتناقشون بجد عن مدى جدواها، بينما لو بُعث أهل هذا الزمان لنظروا باستغراب إلى هذا الجسم العجيب، ثم يتركونه ويذهبون، إذ لا عمل له عندهم ولا طائل أو معنى يذكر من وجوده.

ثانيهما: إنّ تلك العقلية المبرمجة تحت ضغط الواقع بخست حق الكثير من العلماء والعلوم بحصرهم العلم في العلماء الذين أسهموا إسهامات تجريبيّة، لكن لو أوردنا علم الحديث فقط كمثال لعلم عظيم امتلك منهجية رصينة مذهلة في إثبات صحة الروايات من جهة المتن والإسناد، وهو من أجلّ العلوم وأدقها، بل من مفاخر هذه الأمة، سنعلم أنّ عبقرية العلوم لم تُحصَر في السياق التجريبي فقط، بالإضافة إلى أنّ أصحاب ذلك الطرح تغافلوا أو غفلوا كون الكثير من العلماء الذين برعوا في العلوم التجريبية كانوا في ذات الوقت فلاسفة ومؤرخين وفقهاء، لنعرف الواقع الحقيقي حينها وهو أنّ التقدم في العلوم التجريبية كان نتيجة طبيعية لوضوح الهُوية ونضوج البناء الإنساني على ضوء تلك الهوية، فحينما يصل المجتمع إلى هذه الحالة من النضج؛ فإنه ينمو طبيعيًا ليتمدد في مساحة الكون بمختلف تشكلاتها ليحقق الاستخلاف الذي نما منه ولأجله، لذا فإن رؤية الماضي وقراءته تحت ضغط الواقع الحالي يؤدي إلى طمس هذا الماضي ويعيق الناظر إلى هذه القراءات عن استشفاف الحالة الحياتية الحقيقية للمجتمع المسلم حينها، ويضع غشاوة على تلك العين التي تبحث بين سطور تلك القراءات عن ملامح النهضة.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "جناية الحاضر على التاريخ.. تأثير النزعات المعاصرة في فهم الماضي" بقلم شيماء مصطفى
https://bit.ly/3HG8E2Y