Get Mystery Box with random crypto!

يتعدد الابتلاء في أنواع وأشكال مختلفة، وقد يكون ما في إنسان من | السبيل

يتعدد الابتلاء في أنواع وأشكال مختلفة، وقد يكون ما في إنسان من ابتلاء غايةً عند آخرين، فيطمح الفقير لقصير منيف يختبر الله صاحبه به، ويطمح العقيم لولد يراه عند أخيه وقد ابتلاه الله به.

ولعلنا رأينا جميعًا أن القرار في المنزل أثناء انتشار وباء كورونا يحتوي أمانًا نسبيًّا من وصول العدوى، لكن هذا الأمان يتحوّل إلى خوف إذا ما جاءت الزلزلة واهتزّت الأرض، فيغدو حينها ساكن خيمة التهجير في أمان أكثرَ مما يسكن في قصر منيف..

إن تعدّد أنواع الابتلاء في كل شيء بين أيدينا -المادّي والروحي والنفسي والجسديّ- يبصّرنا بعِظَم الامتحان وضرورة إقامة حقّ الله بعبادته، والتسليم له مع الصبر والرضا، فلا يركن الإنسان إلى قلق اليأس الذي يدفع الإنسان إلى القنوط والحيرة واليأس، فالباري يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، وهذا -بطبيعة الحال- بعيد عن قلق الضعيف الذي يرى في ضعفه قوّة لإيمانه، فلا يغيب عن طرق أبواب المولى طرفة عين، بل يستمسك بضعفه عند الخالق ليمدّه بالصبر والقوة.

ولنرصد بعضًا من الآيات القرآنية التي تشير إلى الابتلاء صراحة في متنها، سنجد أنها تزيد عن ثلاثين آية عدا الآيات التي فيها ما يرادفها من الفتنة والاختبار والامتحان.

تشير هذه الآيات إلى سياقات متعددة للابتلاء، بين الشر والخير وكلاهما معًا، وينصّ كلٌّ منها على دلالة مباشرة، فما هي تلك الآيات، وما دلالاتها؟

نبتدئ من قوله تعالى: {وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49]، حيث وردت في سياق الشر، وتشير دلالتها إلى اختبار مقدار الصبر والأناة على المصيبة، وفي قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] فقد وردت في سياق الخير، وتشير دلالتها إلى اختبار التكليف، أما قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] فقد وردت في سياق الشر، وتشير دلالتها المباشرة إلى اختبار الصبر على المصائب الدنيوية، أما في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7] فكانت في سياق الخير والشر معًا، وأشارت دلالتها إلى اختبار العمل بين الصلاح والفساد، والإحسان والإساءة، وقوله تعالى {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] فكانت كذلك في سياق الخير والشر، ودالّة على عِظم ما نراه في حياتنا من خيرات ومسرّات ومكاره وشرور، وأننا نُختَبَر بها كلّها بموقفنا منها وتصرفنا إزاءها.

ولعل أعظم ما في هذه الابتلاءات المشار إليها في القرآن ما عُبّر عنه بالزلزلة فقد قال تعالى -حكايةً عن حال المسلمين- {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] فكان السياق سياق شر، والاختبار دائرًا حول الصبر والثبات.

وبالنظر إلى جميع ما يمكن رصده من سياقات الابتلاء كافة، فإننا نراها تكاد لا تتجاوز هذه القيمة العظمى -أي الصبر والثبات- وعليه مدار السياقات والدلالات المباشرة التي يفهمها أي إنسان ذي لغة عربية سليمة، مثل دلالة اختبار الثبات على الإيمان من عدمه، واختبار الأخلاق والضمائر ما فيها من خير أو شر، واختبار الصبر على الفقد، وكيفية اختيار طرق الخير وأضدادها، واختبار صدق الإيمان وغير ذلك.

إن غاية أنواع الابتلاء كلها -سواء كانت لغاية الإنعام أو الإضرار- بثّ العبرة واقتناص الموعظة {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168]، والإنسان بطبعه يحتاج إلى تثبيت وتوفيق من الله ورضًا يحكم قلبه في كلا الابتلاءين.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "وقعت بنا كارثة.. كيف نتعامل مع الابتلاء؟" بقلم عرابي عبد الحي عرابي
https://bit.ly/3YFKuvu