Get Mystery Box with random crypto!

تأثير الأحداث الكبرى في تجلية معاني القرآن الكريم. - لا شك أ | السبيل

تأثير الأحداث الكبرى في تجلية معاني القرآن الكريم.

- لا شك أن الأحداث الكبرى في كل عصر من العصور تساهم في تشكيل عقول وأفكار الناس في ذلك العصر بشكل عام، وفي مختلف العلوم الإنسانية.
وفي علوم الإسلام نجد تفاعل علماء المسلمين مع أحداث عصورهم حاضراً بشكل لافت. وبالأخص المشتغلون في تفسير القرآن الكريم وتأويل معانيه واستنباط أسراره.
فقد ساهم علماء كل عصر في استنباط بعض المعاني الخفية والإشارات اللطيفة التي ربما تكون قد غابت عن غيرهم، أو تفاعلوا وعاشوا مع بعض تلك المعاني بحرارة أكثر بحسب الظرف في زمنهم.

- من ذلك مثلاً ما قد يُلمح في تفسير ابن جُزَي الذي عاش في أيام سقوط الاندلس. وكانت تلك الفترة حافلةً بالمعارك مع الإسبان والدفاع عن بلاد المسلمين.
من ثمَّ كان ابن جزي عميق الإحساس في تفسيره لآيات الجهاد في القرآن، والتفاعل معها بعاطفة شديدة؛ فهو واقع يعيشه في حياته، ويستشعر خفايا المعاني الكامنة فيه. والإشارات المستكنّة في تلك الآيات. وقد قتل ابن جُزَي شهيداً في معركة طريف قرب غرناطة.

- وبالإمكان قول مثل ذلك عن ظلال القرآن لسيد قطب، من حيث تفاعله مع معاني استعلاء الإسلام في هذه الدنيا، وحاكمية الشريعة على الخلق. فقد عاش سيد واقعاً يشهد معارك فكرية شديدة في تلك الجوانب.

- ويكمن استلماح هذه الظاهرة أيضاً من خلال هذا الزلزال الذي يبدو أنه قد فجر طاقات كانت كامنة في العقول والقلوب، وحرك مشاعر وإحساسات كانت غائبة عنا شيئاً ما.
لنتبصر في آيات القرآن ونستشعر العواطف والمعاني الخفية التي كانت تمر سريعاً في الأذهان دون أن تثير في النفوس ما تثيره الآن.

- {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} ، {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} ، {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} ، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}
خذ مثلاً آيات الزلزلة ودك الأرض، أصبحت الآن، بعد مشاهدة أهوال الزلازل، تبعث في إحساس من عاشرها وشهدها مشاعر لا يمكن وصفها من الفزع والخوف. وتتزلزل فرائص المرء حقيقةً كلما قرأها، كأنها تتمثل أمامه في المشهد المهيب الذي شهده من قبل.

- {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} ، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}
ومشهد ذهول الناس عن أقرب الناس منهم، وفرار كل إنسان عن محيطه لا يلوي على شيء. صارت ذات دلالة واضحة ومشهديّة محسوسة عاينها المرء من قبل، وانحفرت في ذاكرته يتمثّلُها كأنها قطعة من فيلم حضره من قبل.

- {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} ، {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ} ، {الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ، {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا} ، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} ، {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}
دقيقتين من رجفة الأرض تحت أقدام الناس كانت كافية لتذكر الإنسان بحجم نفسه أمام قوة ربه وخالقه، فتحطم جبروت المتكبرين وغطرستهم، وتذكرنا بضعفنا والتجائنا الغريزي إلى قوة إلهية نطلب منها الرحمة والغوث.

- {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ، {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} ، {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} ، {وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ، {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ}
ومثل ذلك في آيات الله في تدبير الكون وتصريف شؤونه، وحكمته وقدرته في ذلك؛
فتلك النعم والأفضال التي كانت غائبة عن أذهان معظم الناس، يمنُّ الله على خلقه بها في كل وقت، لا يستشعر المرء عظمتها إلا عندما فقدها ولو لبرهة قصيرة من الوقت.