Get Mystery Box with random crypto!

زلزال لشبونة ١٧٥٥م في اليوم الأول من نوفمبر عام ١٧٥٥م، المواف | السبيل

زلزال لشبونة ١٧٥٥م

في اليوم الأول من نوفمبر عام ١٧٥٥م، الموافق لعيد القديسين، وقعت سلسلة من الزلازل الشديدة في مدينة لشبونة، عاصمة إمبراطورية البرتغال في القرن الثامن عشر، وتسببت تلك الزلازل في أضرارٍ جسيمة، ودمرت المباني العامة والمنازل، واندلعت على إثرها الحرائق وراح ضحيتها نحو ٦٠ ألف شخص. [زلزال لشبونة-مجلة المنار]، وتضاربت التفاسير حول سبب هذا الزلزال ما بين سخط الإله والسؤال عن: أين الإله؟ وغير ذلك.

بحلول هذه الكارثة وجدت الأفكار التي كانت تتكون منذ بداية القرن الثامن عشر المعروف بعصر التنوير في متسلسلة التاريخ الأوروبي طريقها الذي ينحدر بها سريعًا نحو الهاوية الإنسانية دون أن يشعر أرباب تلك الأفكار.

لقد كان ڤولتير -على سبيل المثال- أحد أبرز مفكري وأدباء عصره، حيث وصفه فيكتور هوجو بقوله “إن اسم ڤولتير يصف القرن كله، فإذا كان لإيطاليا نهضة، ولألمانيا إصلاح، فإن لفرنسا ڤولتير”، وقد كان لفكره وأدبه الباع الأكبر -بالطبع مع رفاقه التنويريين مثل جان جاك روسو وغيره- في رصف بقية توجه الطريق الفكري الأوروبي، وقد كانت معظم آرائه الجدلية تدور حول مشكلة الشر، ويتبيّن هذا من كتابه الصادر عام ١٧١٣م الذي ناقش فيه الإشكال، بالإضافة إلى نقد التراث وإعادة النظر إلى التاريخ بنظرة عقلانية بعيدًا عن الأساطير، وكذا نقد الدين، ومركزية العقل.

استفزّ زلزال لشبونة ڤولتير ليُعيد النظر مرة أخرى إلى ماهية الشر، حيث اعتبر أنّ طبيعة الإنسان ليست شريرة، ولكنه قد ينحرف عن الطبيعة البشرية بحلول الكوارث كما حصل في لشبونة، وهو ما عبّر عنه فولتير [في الصورة] عندما حل الزلزال بلشبونة عام ١٧٥٥م في قصيدته التي ندد من خلالها بالشرور الموجودة في العالم وندد كذلك بالتفسيرات التي قُدمت لهذا الزلزال خاصة تفسير رجال الدين وتفسير جان جاك روسو القائلة بأن مصدر الشرور في العالم هي أفعال البشر الطاغية.

ومن الواضح أنّ النزعة التشاؤمية ازدادت عنده، وهذا ما عبّر عنه في روايته “كنديد” ١٧٥٩م التي سخر فيها من الفلسفة التفاؤلية، وقد التقط رونالد سترومبرج هذا التغيُّر حيث قال “يبدو لنا أنّ ڤولتير عندما تقدمت به السن بدّل اتجاه عقله، إذ اتخذ مسارًا أشد كآبة وظلامًا، وهذا أمر طبيعي عززه موت محظيّته، وفتور صداقته مع فريدريك الكبير، وحرب السبعة أعوام، والزلزال الرهيب الذي ضرب مدينة لشبونة عام ١٧٥٥م”.

هذه التركيبة الفولتيرية -بالإضافة إلى رفاقه التنويريين- أدت إلى اندلاع الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩م، والتي كانت من أهم إنجازاتها كما يقول د. إبراهيم شاهين أنها نقلت مركز القوة من الكنيسة إلى الدولة، حيث إنّها بحسب تزفيتان تودوروف “المنعطف الكبير الذي يعتبر مسئولًا أكثر من أي منعطف آخر عن تشكيل هُويتنا التي نحن فيها الآن”، وتمخّض منها القرن التاسع عشر الذي كان مفككًا على إثرها، بخلاف تماسكية القرن الثامن عشر، ليستمر الانحدار بظهور نظرية داروِن التي حيونت الإنسان، وكان تأثيرها مركزيًا لدرجة أن جيمس بيرك وصفها بأنها “أحدثت دويًّا في العالم يشبه دويّ انفجار القنبلة”، ليظهر بعده نيتشه الذي كان نتيجة طبيعية لهذا الانحدار، حيث إنه أنكر المطْلَقات والأخلاق والمعنى، ليعيش بجلاء الحيوانية الداروينية، مما دفع د. عبد الوهاب المسيري للقول: “لحظة ظهور نيتشه هي لحظة تاريخية حاسمة في تاريخ الحضارة الغربية، نيتشه أعلن الفضيحة كاملة”.

أتى من بعد ذلك ماركس الذي -بحسب سترومبرج- ربط بين النظريات ووضعها، وقد تنبأ ميشيل فوكو بمآل هذه الأفكار حيث قال “الإنسان سوف يندثر مثل وجه من الرمل مرسوم على حد البحر”. وهكذا يمكن أن نرى بجلاء كيف ساهمت هذه الكارثة الطبيعية في تطور المتسلسلة الفكرية إلى هذا الحد.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "ثنائية الكوارث والأفكار.. ما مدى الارتباط بينهما؟" بقلم شيماء مصطفى
https://bit.ly/41N0i0b