Get Mystery Box with random crypto!

وفي أنفسكم.. وكما أنه أنزل إلينا كتابًا نقرؤه لا يأتيه الباطل | السبيل

وفي أنفسكم..

وكما أنه أنزل إلينا كتابًا نقرؤه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقد جعل لنا في النفس والآفاق آياتٍ تجول فيها العقول وتتدبرها القلوب فتهدينا إلى الحق وتُعلمنا ألّا معبودَ بحقٍّ سواه، فهذا كتاب الله المقروء، وتلك آفاق الكون المرئية، وتلك خبايا النفس المكنونة، وكله من رحمته بعباده، فلم يذرهم هائمين في مهمه التيه واللاجدوى والعبثية.

وأراد الله عز وجل أن يخبرنا عن حال الإنسان حين يسهّل عليه قبول دينه فيشرح صدره للإيمان بخالقه والتسليم لشريعته والتصديق برسوله ﷺ والامتثال لكل ما جاء به، حتى يستنير الإسلام في قلبه فيضيء له ويتّسع صدره بـ “لا إله إلا الله”، فقال عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125].

وفي المقابل وصف لنا غير المؤمن وحال قلبه حين لم يتلقّف هدايات الوحي، فصوّر لنا المشهد بقوله: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125].

وما إن تصل إلى كلمة {حرجًا} حتى يأخذك خيالك إلى تصوّر تلك الشجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدّة التفافها بها، وهكذا حال قلب الكافر والمنافق، لا تصله الموعظة ولا يُقذف في قلبه نور الإيمان، ولا يبلغه شيء من الهدى والخير، لأنّ الشرك قد ران على قلبه ولفّه كما الشجرة تلتفّ بالأشجار حولها.

ثم تضيق أنفاسك وتتسارع نبضاتك حين تقرأ {كأنّما يصّعّد في السماء} مع تشديد الصاد والعين في {يصّعّد} والتي تُحسّ من خلالها شدّة ما يُلاقيه الإنسان حين صعوده السماء من نقص في الأوكسجين وقوة الجاذبية الأرضية، وتغيّر سرعة الصعود مما يؤدي إلى استحالة صعوده دون أجهزة وآليات تدعمه وتزوِّده بما ينقصه، وكما أنه لن يبلغ عنان السماء فكذلك التوحيد والإيمان لن يدخلا قلبه.

الاحتياج إلى الواحد الصمد ..

ويخبرنا سبحانه بأنه هو النافع والضارّ وحده، وما يكون للعبد ظاهرًا وباطنًا من رزق يتنعّم به ويتقلّب فيه فهو من عند خالقه لا من عند غيره، وهي آية تدل على أنّ التوحيد من فطرة الإنسان:

{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].

وفي جرس هذه الكلمة “تجأرون” تصوير حسّي لمدلولها، فالجأر كما ورد في تفسير الطبري أصله: من جؤار الثور، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره. وكذا حال من مسّهم الضر، يلجأون ويتضرّعون إلى أرحم الراحمين، إلى من بيده أن يكشف عنهم ما هم فيه رغم شركهم وجحودهم وعصيانهم له، ولسان حالهم: أيا ربّ.. هلّا وابلٌ يحيل قفارَ صدورنا ريّانةً كأن لم يُصِبْها القحط بالأمس؟ فليس لنا من دونك ملتحدٌ..

{تجأرون} كلمة إن تأملتها تراءى لك ما بين حرفي الواو والنون نداءات طويلة، واستغاثات عديدة، وألمٌ ممتدّ يلفّ روح صاحبه..

تصوير دقيق باعث على الأحاسيس ومحرّك للخلجات، دافع للتوجّه إلى ربّ البريّات إذا ما حلّتْ على العبد الرزايا والمُلِمّات.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "العقل والوجدان في القرآن صنوان لا يفترقان.. نماذج تطبيقية" بقلم رامة سهيل بشير
https://bit.ly/43BPmn9