Get Mystery Box with random crypto!

هَبْ أنَّ ملكًا أنشأ حديقةً غنَّاء جميلة، أحضر فيها نادر الأشج | السبيل

هَبْ أنَّ ملكًا أنشأ حديقةً غنَّاء جميلة، أحضر فيها نادر الأشجار وبديع الأزهار، شقَّ لها الينابيع ليسقيها ويرعاها، ووزّعَّ الأشجار على نحوٍ دقيقٍ بديعٍ رائع، ثم سيّجها بسورٍ شاهقٍ له سبعة أبواب، وأعلن رسميًا أنّ تلك الأبواب من حقه وحده، فلا ينازعه فيها أحد، ثم أمّن عليها حارس.

هل تتوقعون -فيمن أنشأ حديقةً كهذه- أنه أراد الأبواب لذاتها؟ وماذا لو فتح الحارس البوابات لغير الملك؟

عندما نتأمل في حال تلك الحديقة؛ سنرى أنّ ثمة أمرًا عظيمًا سيُستباح إذا خان الحارسُ العهدَ وسمح لغير الملك عبور تلك الأبواب، لأنّ الإشكالية لا تكمن في عبور الأبواب لذاتها، بل في الأملاك التي ستُستباح لمن ليس له حقٌ فيها، ولا يملك منها شيئًا، ولا شارك في إنشائها ورعايتها.
ولله المثل الأعلى، فقد قال الله عز وجل {وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن:١٨] وقد رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسَاجِدِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ، يَقُولُ: هَذِهِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا السُّجُودُ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ فَلَا تَسْجُدُوا عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ [تفسير ابن كثير]، وَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَالَ النبي ﷺ: [إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ] (آراب: أعضاء)، وقال عطاء: مساجدُك: أعضاؤك التي أُمرت أن تسجد عليها، لا تذللها لغير خالقها.[تفسير القرطبي]، فملك الملوك تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وصوّره فأحسن صورته، وأتمَّ خلقه بإحكام، وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض، وهيّأ له كل شيء، ثم أمره -تعالى- بعبادته، وجعل للعبادة المحضة هيئات مختلفة منها القيام والركوع والسجود، وبالرغم من العبودية التي يقتضيها الركوع، إلا أنّ “الركوع عبادة تختص بالصلاة لا تصح منفردةً عنها بخلاف السجود؛ فقد جاء في الشريعة سجود التلاوة والشكر ونحوهما بلا صلاة، وأما الركوع فلم يَرد، ومثله القيام؛ لذا كان السجود أعظم عندَ اللهِ؛ لِتمحضِهِ بالتعبد، فمن سجَدَ لغيرِ اللهِ، كَفَرَ؛ لأنه لا يُعْرَفُ السجود في الأُمَّةِ منفردًا ومتضَمنًا إلا عبادةً بخلافِ مَن قام وانحنى؛ فإن قصد التعبد كفر؛ لأنَّ القيام بذاتِهِ بلا صلاة لا يدلُّ دَلالة تامة على التعبد إلا بقرينة”[التفسير والبيان لأحكام القرآن – عبد العزيز الطريفي].

“لذا اختص الله تبارك وتعالى له الأعضاءَ التي يحصل السجودُ باستوائها على صعيدٍ واحدٍ، لأنها أبواب العبودية له عزّ وجل، ومفتاحُها استواؤها على صعيدٍ واحد، فإذا نُصِبَت على صعيدٍ واحد؛ فُتِحَت، وانجرَّ من خلالها كل ألوان العبودية، ليصطبغ بها جميع الجسد حتى تصبح سيماه، ولأن الوجهَ واجهةُ السَمتِ والسيماء؛ فهو أول ما يتبلور فيه آثار السجودِ، فقد قال الله عز وجل {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[الفتح:٢٩]، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنه “أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام وسَحْنته وسَمته وخشوعه”، وقال مجاهد “الخشوع والتواضع” [تفسير الطبري].”

فظاهر السجودِ عبوديةُ الجسد، أما جوهر فانفتاح وتحرُّر كل الكيانات الكامنة في هذا الجسد من عبودية الروح، القلب، النفس، والعقل، لأنَّ البابَ إذا فُتِح؛ أُبيح ما أُغلِق عليه، وهذا يقتضي تمام التوحيد والإذعان لله جل جلاله.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "إن المساجد لله.. ما هو مفتاح العبودية؟" بقلم شيماء مصطفى
https://bit.ly/42VWiLe