Get Mystery Box with random crypto!

المسلمين؟! والحقيقة؛ إن الخصوصية المحلية التراكمية للبيئة | كتابات علي المؤمن

المسلمين؟!

والحقيقة؛ إن الخصوصية المحلية التراكمية للبيئة الأوروبية ودينها المسيحي التلفيقي؛ تجعلان من غير الممكن نقل تجربة الانقلاب على المسيحية الأوروبية السلطوية الحاكمة، الى بيئات أخرى، ومنها بلاد العرب والمسلمين؛ فلا البيئة الأوروبية وصيرورتها التراكمية الإجتماعية والتاريخية تشبه بيئات المسلمين ومسارات تكوينها، ولا المسيحية الروحية الأوروبية تشبه الدين الإسلامي وعقيدته وتشريعاته المتكاملة، بل إن الإسلام يختلف جذرياً حتى عن الديانة المسيحية الروحية الأخلاقية الأصلية نفسها، وليس المسيحية الأوروبية وحسب، لأن دين السيد المسيح يخلو من التفصيل العقدي ومن التشريع، وهو ما ينسجم مع الواقع الذي ظهرت في إطاره رسالة السيد المسيح، بل هو الأمر الذي اضطر المبشر "بولس" الى التأسيس للعقيدة المسيحية بالتدريج، وكتابة أغلب الانجيل بعد عقود على عروج السيد المسيح، كما اضطر الكهنوت المسيحي الى التحالف مع الإمبراطور الروماني الوثني قسطنطين الأول، لحماية المسيحيين ونشر المسيحية، مقابل إعلانه قديساً وإمبراطوراً للمسيحيين وللعالم، ومبشراً بالمسيحية بالسيف والقهر.

ولذلك؛ ليس مستغرباً أن تشكل النخب المسيحية الشرقية أغلبية رواد الانقلاب العلماني على الدين في بلاد المسلمين، بالنظر لقرابتها الروحية الدينية مع أوروبا المسيحية، ولأنها تتماهي لزاماً مع النخب الأوروبية الثائرة ضد النظم الثيواقراطية والاستبداد الكنسي، والتي باتت تمسك بزمام السلطات الاستعمارية والجيوش المحتلة لبلاد المسلمين، وباتت تشكل دعماً دينياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً مباشراً لمسيحيي الشرق خاصة. وربما كانت هذه النخب تشبِّه معاناتها من الثيوقراطيات المسلمة وعموم مناخاتها الاجتماعية، وخاصة الدولة العثمانية، بمعاناة أبناء دينها المتحررين من الثيوقراطيات المسيحية والاستبداد الكنيسي.

ولعل أهم ستة مفكرين عرب قادوا حملة الترويج للفكر العلماني والمذهب الليبرالي في المجتمعات العربية، هم: أحمد لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين وسلامة موسى وشبلي شميل وفرح انطوان، وهؤلاء نصفهم مسيحيين، وهو عدد كبير قياساً بنسبة المسيحيين العرب الى عدد سكان البلاد العربية المسلمین، ما یعني أن أغلبية نخب مسيحيي الشرق تمثل أنموذجاً للتبعية الروحية والفكرية والسياسية للمد العلماني الأوروبي السلطوي. وفي الوقت نفسه، لم تكن النخب المسلمة بمنآى عن هذه التبعية، كما ذكرنا، لكن الثأثيرات العاطفية للقرابة الدينية والشعور بالاستقواء الديني لدى النخب المسيحية، ظل يلعب دوراً مهماً في هذا المجال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64