Get Mystery Box with random crypto!

لم يكن انحياز العراقيين الى آل البيت ومظلوميتهم، ومشاركتهم في | كتابات علي المؤمن

لم يكن انحياز العراقيين الى آل البيت ومظلوميتهم، ومشاركتهم في جميع الثورات العلوية ضد المحتلين الأمويين والعباسيين، اعتباطياً أو ناشئاً من فراغ، بل هو إحساس بالمظلومية المشتركة، وبنقاء مدرسة آل البيت، وبأنها تمثل أصالة الإسلام وحقوق الإنسان والدفاع عن المظلوم، على العكس مما كشفت عنه سلوكيات بعض الفاتحين، ثم آل أمية من بعدهم. ولذلك؛ فإن الثابت التاريخي، هو أن الأغلبية الساحقة من القوميات العراقية الأصلية المؤسسة (السومرية والبابلية والفيلية والعربية)؛ قد تشيّعت مبكراً وطوعاً، أي منذ بداية دخول الإسلام الى العراق. وهذا يعني أن العراقي اختار المتاعب لنفسه بنفسه، منذ لحظة تعرفه على الإسلام، وذلك حين فضّل التشيع على مذهب السلطة، لأن العراقي حين يكون شيعياً؛ فإن ذلك يجعله تلقائياً في مواجهة الدولة والحاكم، ومعارضاً للسلطة ومذهبها، وسيتعرض بمحض إرادته الى القمع والتشريد والاعتقال والقتل.
وفي المقابل؛ اختارت الشعوب المهاجرة الى العراق، أن تكون سنية غالباً، وتنخرط في مجتمع الدولة، وتدافع عن مذهب السلطة، وتعيش الاستقرار السياسي والاجتماعي والرفاه المعيشي، حتى باتت صاحبة الوطن والدولة والسلطة في العراق، رغم كونها أقلية عددية مهاجرة، وباتت الأقوام العراقية الأصيلة المؤسسة، تعيش غربة الوطن، وتُتّهم في انتمائها للعراق وفي وطنيتها، رغم أنها تشكل الاغلبية السكانية الساحقة، بل ولا يتردد هذا المستوطن المستعرق أن يتّهم السومري والبابلي العراقي الأصيل بأنه غجري وهندي وعجمي وصفوي وتبعي!!.
وكان الملفت للنظر؛ أن القبائل العربية السنية المهاجرة من مناطق العراق الأخرى أو البلدان الأخرى؛ تتشيع تلقائياً، بمجرد مرور سنوات على إقامتها في الفرات الأوسط والجنوب العراقي وشرق العراق، وهي مناطق السكان العراقيين الأصليين: البابليين والسومريين والفيليين الشيعة، ثم تنصهر هذه القبائل بمناخات مستوطناتها الجديدة، وتتفاعل مع الاجتماع العراقي وتنعجن بطينه، وتذوب فيه، رغم أن قسماً من هذه القبائل العربية، كان يعيش بيئة بدوية ومتعصبة سنياً، وخاصة قبائل نجد وبادية غرب العراق والأردن والشام، ولكنها كانت تتحول تحولاً كبيراً، من النواحي المذهبية والاجتماعية والسلوكية، وتختار العقيدة الدينية المعارضة للحاكم ومذهبه، دون أن يجبرها أحد أو يحتك بها أحد، بل تعرِّض نفسها طوعاً لكل أنواع القمع.
فلماذا اختار العراقي التشيع وظل في مواجهة الدولة، منذ العصر الأموي الأول وحتى العصر الأموي الأخير (البعثي)؟، ولماذا ظل مستعداً للموت، ومفارقة الأهل والوطن، والهروب الى ايران وجبال القوقاز والهند وافريقيا؛ على أن يكون ضمن مذهب السلطة واجتماع الدولة، ويعيش عيشة طبيعة ومستقرة ؟!.
وهل هذا يعني أن الطبيعة العراقية التاريخية المتمردة على الظلم وعلى الحاكم واجتماع السلطة؛ قد انسجمت تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض والمقموع منذ وفاة الرسول؟ وبمعنى آخر؛ هل اختار العراقيون التشيع، لأنه ينسجم في عقيدته وتكوينه التاريخي المعارض، مع العقل العراقي ومناخات انتاجه، ومع البيئة العراقية المعارضة بالفطرة؟
ثم كيف انعكست الطبيعة العراقية على السلوك الشيعي العام؛ ليس في العراق وحسب، بل في كل بلدان الحضور الشيعي؟ وكيف كان التأثير والتأثر بين التشيع ومسارات نشوء الشيعة واجتماعهم الديني والسياسي والثقافي من جهة، والبيئة العراقية الأصيلة المركبة من السومريين والبابليين والفيليين والفرس والكلدان والآشوريين وعرب الحيرة ونينوى من جهة أخرى؟ ومن الذي طبع الآخر بطابعه بشكل أكبر؟ فهل كانت التأثيرات الاجتماعية العراقية ومناخاتها في السلوك الشيعي أكبر من تأثير التشيع في طبيعة المجتمع العراقي، أو أن العكس هو الصحيح؟
انحياز طباع العراقيين الى التشيع
كمقاربة أولية؛ أعتقد أن سر التماهي والتشابك والتفاعل بين الاجتماع الشيعي والاجتماع العراقي، لايتعلق بالتشيع والشيعة وحسب، بل بطبيعة البيئة العراقية الأصلية أيضاً، أي البيئة السومرية البابلية للفرات الأوسط والجنوب، وتكوينها التاريخي، منذ خمسة آلاف سنة؛ فهي بيئة تنسجم نفسياً وسلوكياً مع عقيدة التشيع واجتماعه الديني ومساره التاريخي الثوري المعارض والمقموع؛ فالبيئة العراقية الأصلية هي بيئة رفض واعتراض وثورة وتمرد على السلطة والحاكم والظالم؛ ما جعلها تتفاعل تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض للسلطة واجتماعها السياسي والديني.