2022-06-18 14:16:50
الاستبصار في تجلية مفردات الحنابلة بين الرأي والآثار
المسألة السادسة والثلاثون بعد المائة
يحرم على من أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ إذا دَخَلَ الْعَشْرُأن يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ ولا ظفره شَيْئًا
" وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ ". [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (4/ 109)].
لحديث أُمُّ سَلَمَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمُقْتَضَى النَّهْيِ التَّحْرِيمُ.
و قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ لِلَّهِ فَإِن أُحصِرتُم فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَديِ وَلا تَحلِقوا رُءوسَكُم حَتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّهُ...ِ﴾ [البقرة: ١٩٦].
وقال تعالى: ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ فَكُلوا مِنها وَأَطعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ*ثُمَّ ليَقضوا تَفَثَهُم وَليوفوا نُذورَهُم وَليَطَّوَّفوا بِالبَيتِ العَتيقِ﴾ [الحج: ٢٨-٢٩].
وقال تعالى: ﴿لَقَد صَدَقَ اللَّهُ رَسولَهُ الرُّؤيا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرامَ إِن شاءَ اللَّهُ آمِنينَ مُحَلِّقينَ رُءوسَكُم وَمُقَصِّرينَ لا تَخافونَ...﴾ [الفتح: ٢٧].
فاللهﷻ جعل حلق الشعر مقروناً بأمرين:
⑴ بذبح النسك ولو لم يبلغ مكة كحال المحصر.
⑵ بالفراغ من من العمرة أوالحج.
والمضحي يدخل في الصورة الأولى، قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنا مَنسَكًا لِيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ..َ﴾ [الحج: ٣٤].
فيمسك عن أخذ شعره حتى ينسك، ويشارك المضحي الحاجَّ أنّه لا يذبح إلا في يوم النحر بعد صلاة العيد، والحاج بعد رمي الجمرة، فقد أشبه الحاجَّ بالإمتناع عن الأخذ من الشعر كما قال تعالى في حق المحصر: {وَلا تَحلِقوا رُءوسَكُم حَتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّه).
وعن ابن عمر-رضي الله عنه- قال: حدثتني حفصة-رضي الله عنها- أن النبيﷺ أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع فقلتُ: ما منعك أن تحل؟ فقال: ((إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي)) رواه مسلم.
فتبين أنّ حلق الرأس أو تقصيره مقترن بنحر الهدي ولكنّ رسول اللهﷺ خفف عن الحاج بجواز التقديم والتاخير.
وقال ابن أبي شيبة :
"بابٌ في حلق الرأس بغير منى يوم النحر"
حدثنا ابن نمير عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر-رضي الله عنه- (أنه ضحى بالمدينة وحلق رأسه). وإسناده صحيح.
وقال ابن حزم: "وهذه فتيا صحَّت عن الصحابة -رضي الله عنهم- ولا يُعرَف فيها مخالفٌ منهم" (٢٩/٦).
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبيﷺ قال: ((إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ)) رواه مسلم.
قال ابن القيّم -رحمه الله-: "وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث؛ مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ لِصِحَّتِهِ، وَعَدَم مَا يُعَارِضهُ، وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ فِي أَهْله فَإِنَّهُ يُقِيم حَلَالًا؟ وَلَا يَكُون مُحْرِمًا بِإِرْسَالِ الْهَدْي، رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَف: "يَكُون بِذَلِكَ مُحْرِمًا"، وَلِهَذَا رَوَتْ عَائِشَة لَمَّا حُكِيَ لَهَا هَذَا الْحَدِيث".
[تهذيب السنن (٣٤٧/٧)].
يشير -رحمه الله- أنّ عائشة لم تقصد بالنفي "الأضحية".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول اللهﷺ قال لرجل: ((أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله عز وجل لهذه الأمة)) فقال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها؟ قال: ((لا ولكن تأخذ من شعرك وتقلم أظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل))، رواه احمد وأهل السنن وابن حبان في صحيحه.
وهو صريح في أنّ المضحي يمتنع من أخذ شعره وأظفاره، قال تعالى: ﴿لَن يَنالَ اللَّهَ لُحومُها وَلا دِماؤُها وَلكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَبَشِّرِ المُحسِنينَ﴾ [الحج: ٣٧].
والله أعلم.
" مثل حديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا» مع حديث عائشة: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم» .
99 views11:16