2021-07-26 17:44:43
#سلسلة_من_آفات_القلوب(٢٣). ثـــالـثـــاً: العُـــــجــــــب.
العــــ(٥)ــــدد: عـــــــــلاج العُــــــجـــــب. الـــجـــزء الثـــالـــث.
قال الإمام ابن حزمٍ -رحمه الله-: "ثمَّ نقُول للمعجب ارْجع إِلَى نَفسك، فَإِذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، وَلَا تمثل بَين نَفسك وَبَين من هُوَ أَكثر عيوباً مِنْهَا، فتستسهل الرذائل وَتَكون مُقَلدًا لأهل الشَّرّ، وَقد ذمّ تَقْلِيد أهل الْخَيْر فَكيف تَقْلِيد أهل الشَّرّ!.
لَكِن مثل بَين نَفسك وَبَين من هُوَ أفضل مِنْك، فَحِينَئِذٍ يتْلف عجبك وتفيق من هَذَا الدَّاء الْقَبِيح، الَّذِي يُولد عَلَيْك الاستخفاف بِالنَّاسِ، وَفِيهِمْ بِلَا شكّ من هُوَ خير مِنْك...
فَإِن أعجبت بعقلك، ففكر فِي كل فكرة سوءٍ تحل بخاطرك، وَفِي أضاليل الْأَمَانِي الطَّائِفَة بك، فَإنَّك تعلم نقص عقلك حِينَئِذٍ.
وَإِن أعجبت بآرائك، فتفكر فِي سقطاتك واحفظها وَلَا تنسها، وَفِي كل رَأْيٍ قدرته صَوَاباً فَخرج بِخِلَاف تقديرك، وَأصَاب غَيْرك وأخطأت أَنْت، فَإنَّك إِن فعلت ذَلِك فَأَقل أحوالك أَن يوازن سُقُوط رَأْيك بصوابه، فَتخرج لَا لَك وَلَا عَلَيْك، والأغلب أَن خطأك أَكثر من صوابك، وَهَكَذَا كل أحد من النَّاس بعد النَّبِيين صلوَات الله عَلَيْهِم.
وَإِن أعجبت بعملك، فتفكر فِي مَعَاصِيك، وَفِي تقصيرك، وَفِي معاشك ووجُوهه، فوَاللَّه لتجدن من ذَلِك مَا يغلب على خيرك، ويعفي على حَسَنَاتك فليطل همك حِينَئِذٍ، وأبدل من الْعجب تنقصاً لنفسك.
وَإِن أعجبت بعلمك، فَاعْلَم أَنه لَا خصْلَة لَك فِيهِ، وَأَنه موهبةٌ من الله مُجَرّدَة وهبك إِيَّاهَا رَبك -تَعَالَى-، فَلَا تقَابلهَا بِمَا يسخطه، فَلَعَلَّهُ ينسيك ذَلِك بعلة يمتحنك بهَا، تولد عَلَيْك نِسْيَان مَا علمت وحفظت، وَلَقَد أَخْبرنِي عبد الملك بن طريف وَهُوَ من أهل الْعلم والذكاء واعتدال الْأَحْوَال وَصِحَّة الْبَحْث، أَنه كَانَ ذَا حَظّ من الْحِفْظ عَظِيم لَا يكَاد يمر على سَمعه شَيْء يحْتَاج إِلَى استعادته، وَأَنه ركب الْبَحْر فَمر بِهِ فِيهِ هول شَدِيد أنساه أَكثر مَا كَانَ يحفظ، وأخل بِقُوَّة حفظه إخلالاً شَدِيداً، لم يعاوده ذَلِك الذكاء بعد. وَأَنا أصابتني عِلّة فَأَفَقْت مِنْهَا وَقد ذهب مَا كنت أحفظ، إِلَّا مَا لَا قدر لَهُ فَمَا عاودته إِلَّا بعد أَعْوَامٍ، وَاعْلَم أَن كثيراً من أهل الْحِرْص على الْعلم يَجدونَ الْقِرَاءَة والإكباب على الدُّرُوس والطلب، ثمَّ لَا يرْزقُونَ مِنْهُ حظاً، فَليعلم ذُو الْعلم أَنه لَو كَانَ بالإكباب وَحده لَكَانَ غَيره فَوْقه، فصح أَنه موهبة من الله -تَعَالَى- فَأَي مَكَان للعجب هَا هُنَا، مَا هَذَا إِلَّا مَوضِع تواضع وشكرٍ لله -تَعَالَى-، واستزادةٍ من نعمه، واستعاذةٍ من سلبها.
ثمَّ تفكر أَيْضاً فِي أَن مَا خَفِي عَلَيْك وجهلته من أَنْوَاع الْعلم ثمَّ من أَصْنَاف علمك الَّذِي تخْتَص بِهِ، فَالَّذِي أعجبت بنفاذك فِيهِ أَكثر مِمَّا تعلم من ذَلِك فَاجْعَلْ مَكَان الْعجب استنقاصاً لنَفسك، واستقصاراً لَهَا، فَهُوَ أولى، وتفكر فِيمَن كَانَ أعلم مِنْك...
وَإِن أعجبت بشجاعتك، فتفكر فِيمَن هُوَ أَشْجَع مِنْك، ثمَّ انْظُر فِي تِلْكَ النجدة الَّتِي منحك الله -تَعَالَى- فيمَ صرفتها، فَإِن كنت صرفتها فِي مَعْصِيّة فَأَنت أَحمَق، لِأَنَّك بذلت نَفسك فِيمَا لَيْسَ ثمناً لَهَا، وَإِن كنت صرفتها فِي طَاعَةٍ، فقد أفسدتها بعجبك، ثمَّ تفكر فِي زَوَالهَا عَنْك بالشيخوخة...
وَإِن أعجبت بجاهك فِي دنياك، فتفكر فِي مخالفيك وأندادك ونظرائك، ولعلهم أخساء وضعفاء سقاط، فَاعْلَم أَنهم أمثالك فِيمَا أَنْت فِيهِ، ولعلهم مِمَّن يستحيا من التَّشَبُّه بهم لفرط رذالتهم وخساستهم فِي أنفسهم وأخلاقهم ومنابتهم، فاستهن بِكُل منزلَةٍ شاركك فِيهَا من ذكرت لَك، وَإِن كنت مَالك الأَرْض كلهَا...
وَإِن أعجبت بِمَالك، فَهَذِهِ أَسْوَأ مَرَاتِب الْعجب، فَانْظُر فِي كل سَاقِطٍ خسيسٍ هُوَ أغْنى مِنْك، فَلَا تغتبط بِحَالَة يفوقك فِيهَا من ذكرت، وَاعْلَم أَن عجبك بِالْمَالِ حمقٌ لِأَنَّهُ أَحْجَارٌ لَا تنْتَفع بهَا إِلَّا أَن تخرجها عَن ملكك بنفقتها فِي وَجههَا فَقَط، وَالْمَال أَيْضاً غادٍ ورائح، وَرُبمَا زَالَ عَنْك، ورأيته بِعَيْنِه فِي يَد غَيْرك، وَلَعَلَّ ذَلِك يكون فِي يَد عَدوك فالعجب بِمثل هَذَا سخف والثقة بِهِ غرور وَضعف...
وإن أعجبت بحسنك، ففكر فِيمَا يُولد عَلَيْك مِمَّا نستحي نَحن من إثْبَاته، وتستحي أَنْت مِنْهُ إِذا ذهب عَنْك بدخولك فِي السن".
[الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص: ٦٧- ٦٨- ٦٩-٧٠-٧١)].
___________•الوصيَّة:
https://t.me/AlWasiyyah
2.4K views14:44