ألَّف كثير من العلماء في مختلف الفنون كتباً لطيفة خفيفة لشحذ ه | فوائد الديوانين
ألَّف كثير من العلماء في مختلف الفنون كتباً لطيفة خفيفة لشحذ هممم المبتدئين في الطلب وفتح شهيتهم العلمية، وإلقاء بذرة النسبة المعنوية بينهم وبين بيئة العلم وأهله، وإشعارهم بالانتماء إلى ذلك الميدان، ومنها في علم رواية الحديث: ما ألف في أوائل الكتب الحديثية، وما انتخب وانتقي منها.
وأصناف الطلبة في ذلك منها سالك قصد السبيل، ومنها جائر، "ولو شاء لهداكم أجمعين" منهم: من يستدل بحلاوة ما يستقبله من تلك المبادي على ما وراءها فيشتد حرصه عليها، ويعلم أن دون الشهد لسع إبر النحل، وقد عرف من حلاوة ما ذاقه ما يحمله على تجشم كل صعب في تحصيله، فلأولئك جمعت هذه المؤلفات اللطيفة .. ومنهم كمن يبشم بلقمة!، فهذا لا يحل أن يلقى إليه إلا فرض عينه، ويوجَّه لطلب الحلال وعبادة ربه بما افترض عليه حتى يأتيه اليقين ومنهم من تلذُّ له تلك "المقبِّلات" والمشهيَّات ولا يعجبه من موائد العلم إلا هي، ولا يقبل إلا عليها، وتنصرف نهمة أكله إليها فيشتغل عن حُر الطعام ونافعه بها .. وحينئذ يضطر آباء العلم أن يحموهم من الانهماك فيها -وربما زَووها عنهم- كما تحمي الأباء والأمهات أبناءها من أكل الحلوى ونحوها بين يدي الطعام الذي تحتاجه أبدانهم لتغتذي وتصح وتنمو.. وكل ما وضع للترغيب في أمر نافع فشغَلَ عنه استحق أن يُحتمى منه فمن أهل العلم من اختص بهذه الحمية فيظنه الجاهل المفرِّط متعنتاً بخيلاً منوعاً ومنهم: من اختص بذاك الترغيب والتحبيب فيظنه المتعجرف المُفْرِط متهوراً مبذراً مميعاً وهذان الصنفان من أهل العلم يتكاملان وتعتدل باجتماعهما الأمور ومن أهل العلم من يوفق للجمع بين الأمرين: فيلقي بإحدى يديه بذور المشهيات العلمية لكن لا على قارعة الطريق بحيث تهبط بغاث الطير من كل وجه تصيب منها ثم تطير في كل وجه وربما خرج منها بما أصابت ما تلوث به ما تمر عليه! ويمسك بيده الأخرى شباك العلم والتربية فإذا وقعت أصناف الطير على تلك المشهيات اصطادها وتخيَّر منها ما يزكو ويصلح لمحاضن العلم والتربية وأرسل ما سوى ذلك في أرض الله وسمائه بعد أن يكون كسب فيها أجر ذاك الذي أصابت مما ألقاه "وفي كل كبد رطبة أجر"!
