Get Mystery Box with random crypto!

الفتوى رقم: ١٢٩٥ الصنف: فتاوى الأسرة في الأحكام المتعلِّقة ب | قَنَاة قَسَنْطِينَة الدّعْوِيَة - الجَزَائِر

الفتوى رقم: ١٢٩٥

الصنف: فتاوى الأسرة

في الأحكام المتعلِّقة بابنِ زِنا المَحارِم

السؤال:

أنا أخٌ أَبلُغُ مِنَ العُمر ٢٥ سنةً، اكتشفتُ مؤخَّرًا أنَّ النَّاسَ الذين أعيش عندهم ليسوا أوليائي الحقيقيِّين، وإنَّما أمِّي الحقيقيَّةُ هي التي كنتُ أعُدُّها خالتي (أي: أختَ المرأة التي تَكفَّلَتْ بي)، حيث وقعَتْ هذه الأخيرةُ في زِنَا المَحارِم مع أخٍ لها لمَّا كانت في بلاد الكفر ـ واللهُ المُستعانُ ـ فحمَلَتْ منه ولم تكن فِراشًا أي: متزوِّجةً، بل عَزَبَةً، فلمَّا وضَعَتْني انتقلَتْ إلى الجزائر، وأرادَتْ أَنْ تُودِعني في بيت الأيتام، إلَّا أنَّ بِنتَ خالتي منَعَتْها وأخَذَتْني إلى أُمِّها التي كفَلَتْني فيما بعدُ، وزوَّرَتْ ـ هي وزوجُها ـ الوثائقَ الإداريَّةَ لكي أُنسَب إليهما وآخُذَ لقبَ زوجِها، ذلك لأنَّ زوجَ خالتي هو ـ أيضًا ـ كان قد زَنَى بأُمِّي الحقيقيَّة، فخَشِيَ أَنْ أكون منه؛ فسارع إلى استلحاقي به.

سؤالي هو: ماذا يجِبُ عليَّ لتصحيحِ وضعيَّتي ونسبي؟ أمِّي الحقيقيَّةُ ـ الآنَ ـ متزوِّجةٌ فهل يجب عليَّ بِرُّها؟ وهل أَرِثُها إِنْ ماتت وتَرِثُني إِنْ متُّ؟ وأنا ـ الآنَ ـ أبحث عن زوجةٍ فهل أنا مُطالَبٌ ببيانِ حالتي لأولياء المخطوبة؟ أفتونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فليس على السَّائل إثمٌ مِنَ النَّاحية الشَّرعيَّة لأنَّ ما ذكَرَه أثرٌ لفعلِ غيره، والصَّبيُّ ليس عليه ذنبٌ فيما اقترفه الزَّاني والزَّانيةُ، حيث يجبُ على مَنْ زنى بذاتِ مَحارِمِه الحدُّ باتِّفاقٍ مع اختلاف العلماء في صفةِ الحدِّ، وعقوبتُه شرعًا ـ على الصَّحيح ـ أَنْ يُقتَل على كُلِّ حالٍ سواءٌ كان مُحصَنًا أو غيرَ مُحصَنٍ، وهو مذهبُ أحمدَ وغيرِه مِنْ أهل الحديث، مُستدِلِّين بحديث البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما قال: «مَرَّ بِي عَمِّي الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَمَعَهُ لِوَاءٌ قَدْ عَقَدَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: «أَيْ عَمِّ، أَيْنَ بَعَثَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَ: «بَعَثَنِي إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ [وَآخُذَ مَالَهُ]»»(١)، خلافًا لمَنْ يرى أنَّ عقوبته لا تختلف عن حدِّ الزَّاني بغيرِ مَحارِمِه وهو مذهبُ الجمهور(٢)، لكِنْ لمَّا كان القضاءُ الحاليُّ لا يحكم بالشَّريعة والحدود فالواجبُ عليهما التوبةُ النَّصوح إلى الله عزَّ وجلَّ بجميعِ شروطها.

أمَّا ابنُ الزِّنا فإنَّه يُنسَب إلى أُمِّه لا إلى خالته حتَّى ولو استلحقه زوجُها على وجه التَّبنِّي غير المشروع، ما لم يكن هو أباه الزَّانيَ على تفصيلٍ موجودٍ في فتوَى أخرى(٣).

ويجوز له أَنْ يتزوَّج كسائر الأفراد؛ لأنَّ ذلك إثمٌ لم يقترفه وعيبٌ لم يرتكبه، إلَّا أنَّه يُخبِرُ أولياءَ المرأة بحاله، لأنَّهم قد لا يُحِبُّون تزويجَ بِنتِهم مِنْ معدوم الأصل، والحكمُ نفسُه لو كان الحالُ بالنسبة للمرأة المخطوبة(٤)، فإِنْ قَبِلوا صحَّ زواجُه، وإِنْ لم يقبلوا بحَثَ عن غيرها.

أمَّا بالنِّسبة لتَصحيحِ نَسَبِه في الوثائق الرَّسميَّة فإنَّه يستَشِير خبيرًا قضائيًّا أو مُحامِيًا ليُرشِدَه إلى الطُّرُقِ القانونيَّة وإمكانيَّةِ تصحيح الوثائق دون إلحاق الضرر بالعائلة الَّتي تَبَنَّتْه جهلًا، فإِنْ كان يلحقهم شيءٌ مِنْ ذلك كسجنٍ أو غيرِه فيترك الوثائقَ على ما هي عليه وينتسب إلى أمِّه، ولا يَرِثُ شيئًا مِنَ العائلة التي تبَنَّتْه إلَّا مِنْ باب العطيَّة أو الوصيَّة: الثلث فما دونه، ولا ينتسب إليهم، فإِنْ كانت خالتُه التي ربَّتْه لم تَقُمْ بإرضاعه في الحولين فإنَّ بناتِها أجنبيَّاتٌ عنه، وليس له الاختلاطُ ولا الخلوةُ بهنَّ(٥).

وأمَّا بالنسبة لزوجِ خالته فإِنْ لم يتيقَّن أنَّ هذا الولدَ منه؛ فله أَنْ يستعين ـ بعد الله ـ بفحص البصمة الوراثيَّة(٦) الذي يطلب السَّائلُ إجراءَه بإذنٍ مِنَ المحكمة، فإِنْ ثبَتَ أنَّه منه فقَدِ استلحقه، فإِنْ كانت الأخرى فإنَّ الولد يُنسَب إلى أمِّه التي ولدَتْه ـ كما سبق الإشارةُ إليه ـ ويَرِثُها إذا ماتت ـ على الحالتين؛ سواءٌ أَثبتَتِ البصمةُ الوراثيَّة أنه مِنْ زوجِ خالَتِه أم لم تُثبِت، وتَرِثُه إِنْ مات لأنها هي أمُّه الحقيقيَّة.

هذا ويجدر التنبيهُ في هذا المَقام إلى: أنَّ أمَّه الفاعلةَ تبقى أمَّه ويَلْزَمُه بِرُّها، بالرَّغم مِنْ عظيمِ ذنبِها، وخاصَّةً إذا تابت توبةً نصوحًا، إذ الأمُّ تستحقُّ البِرَّ والمعروف ولو كانت مُشرِكةً، ولا يخفى أنَّ الشِّركَ أعظمُ مِنَ الزِّنا؛ لذلك قال تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَا‌ۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗا﴾ [لقمان: ١٥].