2022-06-29 23:53:51
[الحفظ والفهم، ووهمُ التضادّ]
حفظُ المتون أفضلُ وسيلة للفهم والتفقّه، فإذا حصَّلتَهما بالحفظ جمعتَ الحُسنيين. وإنما يُعاب الحفظُ حين يكتفي به المتعلمُ، ويقصُر به عن غايته التي هي النظرُ والتفكيرُ، ويحبسه داخلَ دائرةِ التقليد والجمود. والعيبُ ليس في الحفظ، بل في الطريقة والمنهج.
والعلاقةُ الجدليةُ بين الحفظ والفهم قديمةٌ، ومن أقدم ما وقفتُ عليه في ذلك كلامٌ عجيبٌ للجاحظ، إذْ يقولُ في "الرسائل الأدبية" (ص: 200):
«وكرهَتِ الحكماءُ الرؤساءُ، أصحابُ الاستنباطِ والتفكيرِ جودةَ الحفظ؛ لمكانِ الاتّكال عليه، وإغفالِ العقل من التمييز، حتّى قالوا: "الحفظُ عَذقُ الذّهن"؛ ولأنّ مستعمِلَ الحفظ لا يكونُ إلّا مقلّدًا، والاستنباطُ هو الذي يُفضِي بصاحبِه إلى بردِ اليقينِ، وعزِّ الثقةِ.
والقضيّةُ الصحيحةُ والحكمُ المحمودُ: أنّه متى أدام الحفظَ أضرَّ ذلك بالاستنباطِ، ومتى أدامَ الاستنباطَ أضرَّ ذلك بالحفظِ، وإنْ كان الحفظُ أشرفَ منزلةً منه.
ومتى أُهمِلَ النظرُ لم تسرعْ إليه المعاني، ومتى أهملَ الحفظُ لم تعلَقْ بقلبِه، وقلَّ مكثُها في صدره.
وطبيعةُ الحفظ غيرُ طبيعة الاستنباطِ. والذي يُعالَجان به ويَستعينان متّفقٌ عليه، ألَا وهو فراغُ القلبِ للشيءِ، والشّهوةُ له، وبهما يكونُ التمامُ، وتظهرُ الفضيلةُ».
أحمد سالم مقام الشِّنقيطي.
141 viewsجليل بوجدايني, 20:53