Get Mystery Box with random crypto!

الفتوى رقم: ١٢٣٩ الصنف: فتاوى الأسرة ـ انتهاء عقد الزواج ـ الط | فتاوى الشيخ فركوس

الفتوى رقم: ١٢٣٩
الصنف: فتاوى الأسرة ـ انتهاء عقد الزواج ـ الطلاق

في حكم وقوع الطلاق المقرون بالمشيئة


السؤال:
قال رجل لزوجته: «أنت طالق إن شاء الله»، فهل يقع طلاق من أتبعه بمشيئة الله؟ وشكرًا.

الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فهذه المسألة مختلفٌ فيها، ومنشأُ الخلاف فيها راجعٌ إلى حديث الاستثناء في قوله صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ»(١)، فهل يدخل إيقاع الطلاق في عموم الحديث فيكون مِن جُملة الأَيمان، أم أنَّ إيقاع الطلاقِ المقرونِ بالمشيئة ليس يمينًا فلا يدخل فيه إلَّا الحَلِف بالطلاق(٢).
وقد ذهب الحنفيّة والشافعيّة وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد وابنُ حزمٍ وغيرهم(٣)إلى أنَّه إذا قال: «أنت طالق إن شاء الله» موصولًا نفعه الاستثناء، إذ يؤثِّر الاستثناء في الطّلاق، ولا شيءَ عليه؛ لدخوله في عموم الحديث السّابق.
وأيَّدوا مذهبهم بما يُروى عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم أنه قال: «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقٍ وَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ مُتَّصِلًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ»(٤)، وبما يُروَى من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما مرفوعًا: «مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ غُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ»(٥).
والصحيح ـ عندي ـ أنَّ الطلاق ـ في حدِّ ذاته ـ لا يدخل في حديث الاستثناء السابق: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ»، وهو أنه إذا قال الرجل لزوجته: «أنت طالق إن شاء الله» طُلِّقت، فلا يسقط الطّلاق بالاستثناء؛ لأنَّ الطلاق ليس مِن الأَيمان، وهذا القول هو المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم وجمهورِ التابعين، وهو مذهب مالكٍ وأحمدَ وغيرِهم(٦)، قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: «وليس في الطلاق ولا العتاق استثناء بإن شاء الله، وإنما هو الاستثناء في اليمين بالله خاصَّة»(٧)، وإنَّما يدخل في عموم الحديث السابق الحلف بالطلاق مثل قوله: «الطلاق يلزمني إن فعلت كذا» أو ما كان في معنى خبر معلَّق عليه، كتعليق الوعد، فإذا قال: «أفعل إن شاء الله» ولم يفعل لم يكن مُخْلِفًا كما لا يكون في اليمين حانثًا، فلا يكون في الطّلاق أيضًا، وهو ما صوَّبه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ(٨).
فقد رَوَى ابن عمر وأبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنهم قال: «كُنَّا مَعَاشِرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي الطَّلَاقِ والْعِتَاقِ»(٩).
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ عَقِبه: «وهذا نقلٌ للإجماع، وإن قُدِّر أنه قول بعضهم فانتشر، ولم يُعلم له مخالف، فهو إجماعٌ»(١٠)؛ وهذا الإجماع وإن كان ضعيفًا لضعف مستنده إلا أنّه معتبر في إفادة كون الطلاق ـ في حقيقته ـ ليس يمينًا أصالةً إلَّا إذا خرج مخرج الحلف بالطلاق أو كان خبرًا معلَّقًا ـ كما تقدَّم ـ؛ ذلك لأنَّ الطلاق المقرون بالمشيئة ليس بيمينٍ حقيقةً، وإن سُمِّي بذلك فمجازٌ لا تُترَكُ الحقيقةُ مِنْ أجله.
ولأنَّ الطلاق إزالةُ ملك فلم يصحَّ تعليقه على مشيئة الله، فلو عَلَّقه بقي حكم الطلاق كالإبراء، كما أنَّه يبقى حكم البيع والنكاح إذا عُلِّق حُكمهما على المشيئة؛ لأنَّ الطلاق المقرونَ بالمشيئة هو استثناءُ حكمٍ في محلٍّ فلا يرتفع بالمشيئة، فلو قال: «أبرأتك إن شاء الله» أو «بعتك إن شاء الله» أو «زوجتُكَ فلانةَ إن شاء الله» فلا يرتفع إيقاع الحكم في هذه الأمثلة بالمشيئة(١١).
أمَّا الاستدلال بحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ غُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ»، فإنَّه لو صحَّ لكان حُجَّةً قاطعةً في المسألة، غيرَ أنَّه ضعيفٌ لا يَنتهض للاستدلال، قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: «وفي إسناده إسحاق بن أبي يحيى الكعبي، وفي ترجمته أورده ابن عَدِيٍّ في «الكامل» وضعَّفه، قال البيهقي: وروى عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والراوي عنه الجارود بن يزيد ضعيف»(١٢).
وأمَّا حديث: «من حلف بطلاقٍ أو عِتاقٍ وقال: إن شاء الله مُتَّصلًا فلا حِنْث عليه»، فقد قال الزيلعي عنه في تخريجه للحديث بأنه «غريب بهذا اللفظ»(١٣)، وقال الحافظ: «لم أجده»(١٤)، ولم يعزواهُ إلى أيٍّ مِنْ كُتُب السُّنَّة.