Get Mystery Box with random crypto!

تلاهيتُ بالمُنى زمانًا، حتى فاتتني مُناي، ثم فاتني زماني، وأفق | مُذكرات غائب 💙

تلاهيتُ بالمُنى زمانًا، حتى فاتتني مُناي، ثم فاتني زماني، وأفقتُ صريعَ الأماني لا الغواني، أُكَفْكِفُ دمعَ الندم بكفِّ الأمَل، وأطفئُ نارَ الحسرة بِدِلاء العمَل، وأُبرِّدُ -ما استطعتُ- جَمرَةَ سُخطتي على نفسي.

تمر أيامُك، وتُستبدلُ أحلامُك، وتَنبتُ في تربةِ آمالك -المَشوبةِ بِرمادِ احتراق أمانيك الأُوَل- زروعٌ جديدة وأَثمار، يُرضيك بعضُها، وبعضٌ لا. بعضُ الأماني لا تَقبلُ البَدَل!
وتعيشُ، وتتعايَشُ، مَن لَّا يملك ألا يفعل؟! وهل لَّك في ذلك مِن خيار؟!
إنما خيرُ ما تفعلُ أن تكملَ حياتَك بأحسنِ ما تُطيقُ.

كل الحسرةِ كامنةٌ في اتساعِ الأحداقِ نظرًا إلى ما مُنِعتَ منه!
وكل السعادة كامنةٌ في غَضِّ الطرفِ عن أزهارِ الحياةِ التي مُتِّعَ بها الناسُ دُونَك.

ستظلُّ لاهثًا خلفَ سرابِ الأمنيات، والأماني -يا عزيزي- بلا نفاد، كلما تقلَّصَ عنك ظِلُّ أحدها مُدَّ لك ظِلُّ أخرى، حتى تنطفئَ شُعلةُ أنفاسِك وتُوَارَى معك كلُّ الظلال.

تأملتُ كلَّ الكَمالات، فلَم أرَ أَقَرَّ لعين المرءِ مِن الرضا، لقد صدقوا يومَ لَقَّنونا صغارًا حدَّ الملال أن "القناعة كنزٌ لا يَفنَى"!
وهي وحدها الكَنزُ الذي لا يَفنى.
لكن.. كيفَ لِطفلٍ صغيرٍ أن يُدرِك بُعدَ المَرمَى!
ففي كل اختيارات الحياة، جانبٌ آخرُ لم تعبرْ إليه، فاتك باختيارك، ولا سبيلَ إليه ولا بَلاغ، ومَن لم يحالفْه الرضا وتمشي القناعةُ في ركابِه؛ فما أشدَّ شفقتي على عنائه!

"يعتقد الناسُ أنهم سيكونون سُعداءَ إذا ذهبوا للعيش في مكان آخر، لكن الأمور لا تجري بهذه الطريقة، لأنك أينما ذهبتَ فستصطحب نفسَك معك".
كما يقول نيل غيمان، فالبلاء يا عزيزي فيك ومنك، والأماكن مِن سُخْطَتِك وضَجَرِك بَرَاء.

وبمثل ما قال "نيل" يقول الذكيُّ العقلِ والفؤادِ عبدُ الله الهدلق:
"السعادة ليست في مكان آخر، ستكونُ حزينًا في كل مكان تذهب إليه لأن السعادةَ ستذهب إلى المكان الآخر، السعادةُ في طمأنينة نفسك وقناعاتك حيث كنت ..".

ألم أقل لك؟!
إذا رافَقَتْك القناعةُ فما فاتك مِن الدنيا شيء! ولا مثقالُ ذرةٍ من غُبار!

يا رفيقَ المعاناة، نحن في الحياةِ ندافِعُها ونُغالِبُها، فكَرَّةٌ لنا وكَرَّةٌ لها، لكنك إذا جابَهْتَها بغيرِ رِضاك فأنتَ دومًا مَقسُوم، وإذا عَبَّأْتَ لها كلَّ عُدَّةٍ وعَتادٍ خلا القناعة؛ فأنت دومًا مَهزُوم!

أو كما أَوْجَزَ أبو تمامٍ في طَرَبٍ وجَمالٍ -وكذلك يفعلُ الشعراءُ-:
مَن زاحَفَ الأَيّامَ ثُمَّ عَبَا لَها
غَيرَ القَناعَةِ لَم يَزَل مَفلُولا!

وأحسنُ مِن الكلِّ قولُ سَيّدِ الكلِّ ﷺ:
"لو كانَ لابنِ آدَمَ واديانِ مِن ذهبٍ لابتغى إليهما الثّالثَ، ولا يملأُ جوفَ ابنِ آدَمَ إلّا التُّرابُ ويتوبُ اللهُ على مَن تاب".

ولكَ أنْ تَعجَبَ إذا علمتَ أنَّ هذا الكلامَ كان "قرآنًا" يقرؤه الصحابةُ على رسول الله ﷺ! ثم نُسِخَت تلاوتُه.

وربُّنا السلامُ يُنزِلُ على قلبِك السلام..