2022-03-23 20:57:47
ليست المتاعب ولا الصدمات، لا الفشل ولا كل ضروب القسوة، هي ما قد تدفعك للإنتحار، مهما كان ما تواجهه من حياة موحشة؛ بمقدورك مجابهتها، حتى لو كنت وحيدًا جدًا وتعيش في صحراء خالية من البشر وليس بحوزتك أي شيء مما يعينك بالحياة، ستقاتل وتقتات من أوراق الشجر وتعصر التراب كي تستخرج الماء وتتدبر حياتك.
ليس ما يواجهك في الحياة هو ما يحدد مصيرك في العالم حياة أو موتًا، نجاحًا أو فشلا، بل طريقتك في التعاطي مع ما يواجهك، هذا ليس حديثًا في التنمية البشرية، بل فكرة أولية لها علاقة بطبيعتك كإنسان، لم تُخلق مجردا من أسلحة البقاء، ولا شيء في الحياة أكبر من قدرتك على تطويعه وتجاوزه. وحين تنهار، فليس ذلك لكونك أعزلًا وعاجزًا عن المواجهة؛ بل لكونك أهملت أسلحتك، أو أن خللًا أصاب تصورك لنفسك والحياة، وكان يمكنك تجاوزه، لو رعيت نفسك بطريقة جيدة. نحن نعيش داخل قصة ننسجها لأنفسنا وللعالم ونعيش داخلها وتحمينا من الإنهيار، البشر جميعهم يحيطون أنفسهم بسردية عن العالم، حكاية، واعية أو غير واعية، يرْوونها عن أنفسهم ينظرون بها للعالم، يطوِّرونها باستمرار ويحيون بها، وحين تنهار قصتهم عن أنفسهم، يستسلمون للفناء.
نحن لا ننهار حين نفقد الخبز أو الحب أو نفشل، ننهار حين تنهار الحكاية والمعنى.
الحياة قاسية يا شباب، وستظل قاسية للنهاية، وقد كانت كذلك منذ البداية، وحياتنا نحن كيمنيين مضاعفة القسوة، وحتى لو انتهت المآساة، وترتبت حياتنا وملكت كل ما تحلم به، ستظل فكرة الحياة محاطة باحتمالات التعب والفقدان والشرور المجانية وستولد لك أحلام إضافية وخيبات جديدة وعليك أن تكون مستعدا دوما للمواجهة.
الحياة الحديثة سوَّقت للبشر وهمًا أن غاية العيش هو السعادة والرفاهية وأن الجميع يستحق أن يحيا بسعادة وأن ذلك حقه الطبيعي الذي يتوجب أن يناله بسهولة، هذه فكرة مثالية وساذجة، هي صحيحة نسبيًا لكنها أغفلت بعدا مهما هو أن الحياة صراع ودراما وإحتمالية السعادة فيها توازي إحتمالية الشقاء بل لا وجود لأي إمكانية للإحساس بالسعادة دون قدر من الشقاء ودون قتال للإحساس بالسعادة.. غير أن الرؤية التي تضخها طبيعة الحياة الحديثة جعلت الإنسان الحديث، الجيل الجديد، يميل للشعور بالاستحقاق المبالغ به أكثر من ميله للإحساس بواجبه؛ كي يكون جديرا بما يزعم أنه يستحقه، وبهذا جردت البشر من قدرتهم على المواجهة، وجعلتهم أكثر هشاشة وأقل استعدادا لاحتمال قدرهم في العالم بصلابة أكثر.
ينتحر أبناء رجال أعمال، ويعيش كادح في أقاصي الريف ويضحك ملء شدقيه كل صباح، يناور وينجح ويفشل، يقاتل الوحدة بالمهاجل، ينتزع قدره من الصخر ويعيشها لأخر يوم في حياته. ما يعني أن مسألة الحياة لا تتعلق بما هو معك وما تفتقده؛ بل بنظرتك إليها، بتعريفك لماهية الحياة، وليس بما هي عليه في الواقع، لا مال ولا فقر، سواء كنت محبوبًا أو منبوذًا، حلم فشلت به، دراسة متعثرة، أو امرأة فضلت رجل غيرك، لا وحدتك ولا التفاف العالم حولك، لا شيء من هذا يمكنه أن يكون سبب حتمي لتغادر الجياة. أنت كفرد وحدك من تمثل مرتكز حياتك وتحميها، كل شيء عوامل مساعدة وجانبية في قصة الحياة.
الله، الفن، علاقتك المرتبة بأسرتك، الحب، الزواج، العلاقات، النجاح، التضامن مع الأخرين، المعرفة، الأوهام، الحقائق، قصص الجدات..كل شيء، كل شيء في الوجود يمكنك الاستثمار فيه، كدروع واقية لك من الانهيار..هذه أسلحتك وعليك أن تعتني بها. المهم أن تجد ما تدور حوله، املأ حياتك بأي شيء ولو بالاشتباك مع العالم والخروج للعراك مع رجل في الشارع؛ كي تشعر بمعنى وجودك. مهما كانت حياتك، بوسعك أن تجد حيلة لمواصلة العيش بوفرة وغنى ولو على مستوى مكاسبك المعنوية وما يحميك من التلف.
هناك بشر يواجهون أقسى مما تواجه_هذه مواساة تقليدية لكنها واقعية_وربما كانت إمكانية مقاومتهم شحيحة ومع هذا يتمكنون من النجاة بل ويتحولون لأبطال غير قابلين للهزيمة ومصدر طاقة لا تنضب لمن حولهم، يمكنك أن تسجن اثنين من البشر وتعرضهم لنفس الظروف القاسية، أحدهم يخرج منهارًا والأخر يخرج وقد تضاعفت قوته الداخلية وما عاد بإمكان شيء تدميرهم. ديستوفسكي مثالا لهذا. ما يعني أن أمر مصيرك يعتمد عليك أكثر مما يُحال لعوامل خارجك..باستثناء من هو مصاب بمرض يفقده قدرته الطبيعية على العيش ويجعل انهياره خارج ارادته.
أنا لا أدين هنا من يفقد القدرة على احتمال العيش؛ لكن من المهم أن نلجأ لتفعيل أدوات الحماية الداخلية أكثر من ميولنا لندب حظوظنا وأننا مظلومون وأن الحياة لم تنصفنا. يا صاحبي، هي هذه الحياة، وحين جئت إليها لم يمنحك أحد وعدا أنها ستكون جنة مصغرة، بل لا يوجد أي ضمانة مسبقة لك بهذا؛ كي تسعر بالخيبة. يمكنك أن تشعر بالخيبة ولا أحد يملك الحق بتجريدك من حقك في البكاء وشتم العالم؛ لكنك ستكون مطالبًا أن تصحو في الغد وتحمل فأسك لمواجهة العالم كل يوم؛ كأنه أول فجر لك في الوجود، وما من حيلة للبقاء غير هذه.
#والله_لنعيش
#مساء_التفائل
136 views17:57