Get Mystery Box with random crypto!

افتتاحية القصة تشي بعزيمة قوية لا يوهنها طول الزمن ولا شدة الج | إنه القرآن ( القناة الرسمية )


افتتاحية القصة تشي بعزيمة قوية لا يوهنها طول الزمن ولا شدة الجهد ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَاۤ أَبۡرَحُ حَتَّىٰۤ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ أَوۡ أَمۡضِیَ حُقُبࣰا﴾

وهو ما يدفعنا للتساؤل: ترى ما الذي عزم موسى عليه السلام على ملاحقته حتى يبلغه مهما طال الزمن؟!
{فَوَجَدَا ع‍َ‍ب‍ۡ‍دࣰا م‍ِّ‍نۡ عِبَادِن‍َ‍اۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ م‍ِّ‍نۡ ع‍ِ‍ن‍‍دِنَا وَعَلَّمۡنَـٰهُ م‍ِ‍ن لَّدُن‍َّ‍ا عِلۡمࣰا}
هذا هو، عبد صالح علَّمه الله علما لم يعلْمه موسى عليه السلام فأراد أن يتعلمه.
الغريب أنه رغم أن القصة مدارها على العلم، إلا أن الأحداث التالية المتضمنة لقصصها الفرعية الثلاثة لم تكن في ظاهرها تحمل أي دلالة على العلم، بل على العكس كان فيها شرور ظاهرة غير مبررة ولا مفهومة، وحتى في تأويلها بعد ذلك، لم يكن العلم الذي تبين لنا هو العلم بشكله التقليدي الذي نعرفه، أو كما وصفه الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره ليس هو العلم المكتسب الذي يدركه المرء بجده واجتهاده، بل علما لدُنيِّا يهبه الله لمن يمن عليه من عباده {وعلَّمناه من لدنَّا علما}

منذ أسبوعين ونحن نحاول أن نفهم كيف نعرف ربنا سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله من خلال قصص سورة الكهف، وببلوغ قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح فإننا على موعد مع أهم تجليات آثار هذه المعرفة، ألا وهو الاستسلام لأمر الله والصبر على أقداره المؤلمة والرضا بها وإن لم ندرك الحكمة فيها
إن موسى عليه السلام حينما طلب بكل أدب ولطف من العبد الصالح أن يعلمه {قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰۤ أَن تُعَلِّمَنِ م‍ِ‍م‍َّ‍ا عُلِّمۡتَ رُشۡدࣰا} كان يؤكد على أن الأهم من العلم هو الغاية منه، ذلك أن علما لا يهديك لأرشد أمرك ولا يدلك على الحق في كل نازلة فهو علم لم تنتفع به ولو بلغت فيه الدرجات العلا، ومن ثم فإنه يخشى حقا على الإنسان من الانشغال بتعلم العلم دون استحضار دائم للدافع إليه والغاية منه

إذن العلم النافع له شروط وله آثار، فأما شروطه فأولها أن الدخول إليه إنما يكون من مقتضى العبودية {فَوَجَدَا ع‍َ‍ب‍ۡ‍دࣰا م‍ِّ‍نۡ عِبَادِن‍َ‍اۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ م‍ِّ‍نۡ ع‍ِ‍ن‍‍دِنَا وَعَلَّمۡنَـٰهُ م‍ِ‍ن لَّدُن‍َّ‍ا عِلۡمࣰا} فانظر كيف نسبه الرب إلى نفسه بهذا الوصف {عبدا من عبادنا} ثم كأنه بعبوديته هذه صار أهلا لأن يؤتى رحمة من عند الله ويعلمه من لدنه علما، وتأمل هذا الإيتاء وهذا التعليم كيف كان كله من عند الله ومن لدنه وحده لا شريك له
هذه العبدية الخالصة لله هي التي مكنت للعبد الصالح أن يقوم بما قام به مطمئن البال واثق اليقين متزودا من علم علمه الله إياه حتى انفسح صدره وتنورت بصيرته

هذه العبدية الخالصة لله تجلت تماما في نهاية القصة حين وقف ينبيء موسى عليه السلام بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا فإذا به يرد الأمر كله لله {فأردنا أن يبدلهما ربهما} {فأراد ربك} {رحمة من ربك} {وما فعلته عن أمري}
إنه الاستسلام العظيم لأمر الله والتفويض له، إنه الشعور العارم بضآلة النفس أمام عظمة الله، وجهلها أمام علمه المحيط الواسع، وعجزها أمام إرادته الماضية وقدرته التي لا حد لها، شعور إنما نبع أساسا من علم بالله وأسمائه وصفاته فأفعاله كلها رحمة وأفعاله كلها حكمة، فنصير مهما خفي علينا ذلك في ظاهر الأمر، فلا نرى بأعيننا إلا خرق السفينة وقتل الغلام ومساعدة من لا يستحق، فإن قلوبنا تبصر غيبا لما يأتنا تأويله يصير فيه خرق السفينة نجاة، وقتل الغلام رحمة وعطاء ومنحة، ومساعدة اللئام عونا للضعفاء الصالحين، وهكذا فإننا -كما يقول دكتور أحمد عبد المنعم - نرد المتشابهات القدرية إلى محكمات الإيمان فنستسلم لقدر الله ونطمئن به، المهم أن يكون بناء الإيمان قد أُحكم فعلا في قلوبنا، وما أراه يُحكم بغير معرفة الله ومن ثم محبته وخشيته
، ربما لذلك نجد في سورة الصافات بعد ذكر الإسلام التام لله من إبراهيم وابنه عليهما السلام {فَل‍َ‍م‍َّ‍اۤ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَب‍ِ‍ی‍‍نِ} يأتي وصف إبراهيم عليه السلام بالعبدية والإيمان {إِن‍َّ‍هُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِن‍ِ‍ی‍‍نَ}

ذكر المتشابهات القدرية هنا أعادني إلى موقف آخر يبرز فيه نفس المعنى تقريبا، وهو موقف الراسخين في العلم في أول سورة آل عمران من الآيات المتشابهات {هُوَ ٱلَّذِیۤ أَن‍‍زَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ م‍ُّ‍حۡكَمَـٰتٌ ه‍ُ‍نَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَم‍َّ‍ا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱب‍ۡ‍تِغ‍َ‍اۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱب‍ۡ‍تِغ‍َ‍اۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱل‍‍لَّهُۗ وَٱل‍‍رَّ ٰ⁠سِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَام‍َ‍ن‍َّ‍ا بِهِۦ كُلࣱّ م‍ِّ‍نۡ ع‍ِ‍ن‍‍دِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِل‍َّ‍اۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ}