من هنا يمكننا أن نعيد النظر في كل قصص سورة الكهف لنرى ارتباطا | إنه القرآن ( القناة الرسمية )
من هنا يمكننا أن نعيد النظر في كل قصص سورة الكهف لنرى ارتباطا وثيقا بين معرفة الله عز وجل والإيمان به وبين القدرة على رؤية الفتنة والحذر منها ثم النجاة من براثنها،
لقد منح الإيمان هؤلاء الفتية رؤية مختلفة لقومهم وعقائدهم الفاسدة، ومنحهم كذلك بصيرة بالفتنة التي قد يتعرضون لها في دينهم إذا استمروا بالعيش وسط هؤلاء الناس،
وكذلك الرجل المؤمن لم تخطف بصره أموال صاحبه ولم يشوش تفاخره واستكباره قدرته على رؤية الفتنة المحيطة به والتي توشك على إهلاكه، وذو القرنين في سياق قريب لم تفتنه قوته ولم يطغه علمه، بل كان مستحضرا على الدوام إيمانه بالله الذي بصَّره بمعنى الفتنة الكامن في النعمة وعصمه منها،
أما العبد الصالح مع موسى عليه السلام فقد تجسدت في أفعاله البصائر الإيمانية التي جعلت رؤيته تتسع اتساعا هائلا حتى امتدت من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فصار يرى في خرق السفينة نجاة أصحابها،
وفي قتل الغلام خير أبويه ورحمة الله بهما، وفي إقامة الجدار حفظ حق اليتيمين ومكافأة أبيهما، فكأنه يرى في كل شر ظاهر خيرا باطنا وفي كل مصيبة حاضرة فرجا قريبا وفرحا منتظرا، لقد كانت بصيرة المؤمن في كل قصة أوسع من بصره، فكان يرى ربه المنعم قبل أن يرى النعمة، وكان يشاهد عاقبة الأمر وهو مازال يشهد أحداثه، لم تشغله فتن الدنيا عن حقائق الآخرةولم تحوله عن إيمانهالبصير وعزيمته الصادقة
يذكرنا ذلك بموقف الذين أوتوا العلم في سورة القصص، فبينما انشغلت أنظار الذين يريدون الحياة الدنيا بزينة قارون حتى فتنوا بها، كان الذين أوتوا العلم يبصرون الفتنة ويُبصِّرون بها الناس {وَقَالَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ وَیۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰاۚ وَلَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ}
هذا بالضبط ما يعيدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم [وإنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عليها ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ: كافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ؛ كاتِبٍ وغَيْرِ كاتِبٍ] فكأن المؤمن فقط هو من يبصر فتنة الدجال في موضعها ويقرأ كفره بين عينيه، فإيمانه يمنحه رؤية الفتنة وينجيه منها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: [من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال] فهل يعني ذلك أن ما تمنحنا إياه هذه الآيات من إيمان وبصيرة هو ما يعصمنا من الدجال؟! وهل يعني ذلك أننا لا ينبغي أن نخرج من سورة الكهف كما دخلنا إليها، بل يجب أن نزداد بها معرفة لله وإيمانا به وبصيرة بالفتن وحذرا منها؟! لعله يعني ذلك فعلا والله أعلى وأعلم
