Get Mystery Box with random crypto!

يُمهِّد لوقيانوس لقصته هذه بما يُوضح فيه سبب كتابته لها ويكشف | النقد الأدبي والروائي

يُمهِّد لوقيانوس لقصته هذه بما يُوضح فيه سبب كتابته لها ويكشف عن استخدام ما بات يُعرف اليوم بما وراء القص (Metafiction)، فهو ساخط وناقم على السابقين من مؤرخين وشعراء وفلاسفة ممن كتبوا عن أشياء لم يَرَوْها وكأنها حقائق دامغة وأحداث وقعت بما لا يقبل الشك ولم يقولوا لقرَّائهم أو مستمعيهم إنَّ هذه الحكايات الخرافية والقصص الأسطورة أكاذيبُ فقط، وإنَّه في قصته هذه يكتب بدافع الدعابة والتهكم والمحاكاة الساخرة لمواضيع أولئك فهو وإن يكتب الأكاذيب فهو يعترف للقارئ منذ البداية أنَّ ما يكتبه أكاذيب محضة لا أكثر ولا أقل. فيذكر من هؤلاء الذين يخصُّهم بالكذب العمد المؤرخ هيرودوتس وستيسياس ولامبولوس وأوديسيوس بطل هوميروس وما قصه من أكاذيب على ملك الفياكيين، ألكينوس. يقول لوقيانوس "إني، وبفضل غروري، كنت متحمسًا لترك شيء للأجيال القادمة حتى لا أكون الوحيد المُستثنى من امتيازات الإجازة الشعرية، وبما أني لا أملك شيئًا صحيحًا لأقوله، وليس لي أيُّ مُغامراتٍ شائقة، فقد شرعت بالكذب. لكنَّ كذبي أصدق كثيرًا من كذبهم، فمع أني لن أقول الصدقَ في الآتي فسأقرُّ في الأقل هنا صادقًا أني كاذب. وحسبي أن بمقدوري الفرار من رقابة العالم باعترافي الذاتي بأني لن أقول كلمة واحدة صادقة. وليكن معلومًا إذًا بأني أكتب عن أشياء لم أرها قط ولا علمتها من الآخرين، وهي في الواقع، غير موجودة على الإطلاق، ووفقًا لطبيعة العالم فلا يُمكن أن تُوجد. لذا فواجب على قرَّائي ألا يصدقوا بأي شكل من الأشكال بما كتبته".
تُجلي هذه الكلمات الصدأ عن حقيقة أنَّ تقنية ما وراء النص، التي استخدهما كتَّاب ما بعد الحداثة في النصف الثاني من القرن العشرين، قد استخدمها من سبقهم لكن الفرق أنَّه عاش في القرن الثاني للميلاد.