Get Mystery Box with random crypto!

انطباعات عن رواية مدام بوفاري لغوستاف فلوبير. - افتتاح الروا | النقد الأدبي والروائي

انطباعات عن رواية مدام بوفاري لغوستاف فلوبير.

- افتتاح الرواية وانتهائها بالحديث عن شارل بوفاري وطبيعته الطيعة والمسالمة والخاضعة والساذجة سذاجة تصل به إلى البلاهة وبلادة الحس أحيانا والحمق في سنواته اللاحقة ثم وفاته كمدا على زوجته الخائنة رغم علمه بخيانتها يجعل منه بطل الرواية مناصفة مع إيما وإن قلَّ حضوره وغاب أحيانا إلا أنه بقي هاجسا لإيما وحتى عشيقيها، ومرآة التمس فيها القارئ وضاعة إيما وشناعة أفعالها وسبيلا يسلكه الرواي ليبرز خفية قدر إيما. ما كان لإيما أن تنحط كثيرا لولا شارل المخلص بإفراط والطيّب بحماقة.

- إيما ضحية نفسها وعواطفها المنفلتة غير الناضجة وأحلام نسجتها عن حياة دفينة الكتب لا الواقع. فهي غريرة يُضحك عليها دون كبير جهد، فريسة نفسها قبل أن تكون فريسة لأي صياد مُغوٍ ولا تُتعب الآخر معها لتسقطَ في أحابيله. مندفعة طائشة نموذج مثالي للمرأة خفيفة العقل المنتهكة لعفتها. لكنه انتهاكٌ بإرادة مُحددة تجاه رجل بعينه لا جميع الرجال وهذا ما نجده عندما حُجزت أملاكها وزوجها، لذا فلا يصح عليها لفظ "عاهرة" لأنها لم تكن عاهرة بل زانية لكنه زنا مغلَّظ باستغلال زوج مُحب وهذا يجعل من إيما نموذجا لا يحظى بكثير تعاطف. فانهيارها لم يكن انهيار فرد وقع في شر أعماله بل انهيار آخرين معها أحسنوا الظن بها واستمروا بحبها حتى بعد وفاتها، وهنا أقصد شارل زوجها،فنحن وإن غفرنا لها صنيعتها بحق نفسها فلا غفران لها بصنيعتها تجاه شارل، وشارل محب ضئيل العقل لا يجب أن يُترك له الحكم عليها وإن كان هو المعني الأول لأنه بوضوح سيغفر لها، وهي امرأة ترى الغفران فرصة لتكرار الخطأ وهو يعميه الحب، وهكذا تتحول المسألة إلى سلسلة لا منتهية من امرأة زانية غير مقتنعة بحياتها مع زوجها أبدا وزوج أبله غفر ويغفر وسيغفر لأنه يحبها. ولا بد من عامل خارجي يكسر هذه السلسلة، وكان الموت أو الانتحار هو الكاسر.

- لكثرة ما قرأت عن استخدام فلوبير فلن السرد الحر غير المباشر وكونه أول من استخدمه واعيا بفنيّاته فكنت آمل أن يكون استخدامه له طوال الرواية لكن خاب آملي لاستخدامه إياه في البداية فقط، ثم أكمل الرواية بسرد غير مباشر فقط. وهذا لا يعني أن فلوبير ضيّع سرده أو أضعفه فهو في أغلب الصفحات يقدّم سردا مشدودا بمشابك حتى لتخال النص قد ارتدى كورسيه، وكان تصويره لغراميات إيما وتأثير حبها في شارل من أبدع ما في الرواية من جماليات فنيّة. ومع أن الراوي لم يتعاطف مع أحد أو يحكم على تصرفات شخصياته فقد تعاطف مرة مع شارل وقال عنه "فتانا المسكين". ووصف قلب إيما مرة بالـ"مسكين".