2022-09-01 16:00:35
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة الإصلاح في إقامة مراسم العزاء:
«إِنَّ اللهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»
لاشك أنّ النقاش برؤية يسودها المنطق هو المطلوب في كلّ مراحل الحياة إذ يُجنّبنا الاصطدام و المواجهة،ويجلب لنا خير الدنيا والآخرة ، و يُعتبر هو الحلّ الأمثل لكلّ الخطوات التي تتعلق بالمجتمع والعلاقات الاجتماعية ومسيرة الإصلاح التي لابدّ منها.
إقناع الآخرين حين اتخاذ القرارات المهمة لايكون سهلًا أحيانًا،خاصة إذا كانوا قد اعتادوا سلوكًا خاصًّا بغض النظر عن صوابه أو عدم صوابه، و ضف على ذلك إذا كان الأمر ذا صلة بمجتمع قبلي يقوم على المفاخرة والتنافس والتمسك بالماضي، و يخشى الإصلاح و إن كان يقود إلى الطمأنينة والفلاح وراحة البال.
أفضل مايتحلّى به المجتمع الراقي هو احتكامه إلى العقل، وأخذه واقع الحال بعين الاعتبار، وابتعاده عن التكلّف، وضمان مسقبل براعمه، و اعتماده الإصلاح و التنميةالمستدامة، وأن يجعل تجارب الشعوب المتقدمة نصب أعينه، وأن يأخذ منها ما يلائمه في الحياة ومايتماشى مع التطور. المجتمع الراقي هو الذي يميّز بين الصالح والطالح، والخير والشر، و المفيد والضار،ويختار الأفضل لأبنائه: "فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ."
من أهم مظاهر مجتمعنا الأهوازي التي تحتاج إلى الإصلاح هي مراسم إقامة العزاء( الفاتحة)التي أصبحت في ظل الظروف القاسية التي يمرّ بها أبناء شعبنا الأبي مكلفة جدًّا. كان في الماضي عندما تحلّ مصيبة بأحد يتداركه جيرانه وبنو عمومته و يُسهّلون عليه الأمر من خلال تقديم الطعام له ولأسرته وحتى للمعزِّين أيضًا،عطفًا منهم عليه ومراعاةً لحالته في تلك الظروف، بينما اليوم هو الذي يتحمل تكاليف الطبخ وتقديم الطعام للمعزَّين رغم عمق الجراح والمأساة التي يعيشها بسبب فقدان أحد أحبته ممّا يجعله هذا الأمر في محنتينِ: محنة مصيبته، ومحنة الطبخ وتقديم الطعام للمعزِّين وتحمّل تكلفة باهظة هو بغنى عنها.
وهذا هو الذي تحدّثنا الذاكرة الإسلامية عنه، حيث عندما استشهد جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، وقد انشغل أهله بهذا المصاب أمر رسول الله(ص) بصنع الطعام لهم ، إذ قال:
"اصنعوا لِآل جعفرٍ طعامًا،فقد أتاهُم مايَشغَلُهُم"،أي أمرهم بطعام "الوضيمة " الذي يقدّم لأهل المتوفّى ،لأن حالهم لايسمح بتجهيز الطعام والوقوف عليه،فيقوم الأقارب أو الجيران بهذا الأمر وهذا هو الصواب . و هكذا كان يفعل الأهوازيون في الماضي،ولكن اليوم أصبح صاحب العزاء والمصيبة هو الذي يقوم بصنع الطعام وتقديمه للمعزِّين.!
قد يكون الحديث في هذا المجال مُملًّا لكثير من الناس ،وبالأحرى لايروق لهم،إذ لايقيمون وزنًا لتقويم الإعوجاج وإصلاح المجتمع ممّا هو فيه، ولايكترثون بما تؤول إليه الأمور في المستقبل، ولكن في ظلّ تقليص فرص العمل أمام أبناء شعبنا و التهميش الذي يمارس ضدهم كلنا نعلم أنّهم بحاجة ماسة إلى المال لتحسين ظروف معيشتهم؛لأنّ المال هو حياة الشعب ولا قيام له إلّا به، ويجب أن لايصرف في أمور بعيدة عن الشرع والاعتدال،بينما أموال كثيرة تُسرف وتُهدر في إقامة مراسيم العزاء، وتذهب أدراج الرياح بحجج واهية ليست خفية على القارئ الكريم.!
وللحد من هذه الظاهرة على كلّ أهوازي شريف يحبّ التقدم والازدهار والإصلاح لشعبه أن يعارض أمرالطبخ وتقديم الطعام للمعزّين من خلال تركه مراسم الفاتحة قبل وجبات الطعام حتى يَشعر صاحب العزاء بعدم بقاء المعزِّي لتناول الطعام، و إلغاء الطبخ بغية التسهيل وعدم التكلّف. وهذا لايرتبط بكونك فقيرًا أو غنيًا ،بل يعبّر عن شعورك بالمسؤولية وتضامنك مع المحتاجين والفقراء من أبناء جلدتك التي طحنتهم سياسة التفقير بكَلكَلها ومزّقتهم بتطاولها.
من الأمور التي يجب ذكرها هي أنّ أخذ المال أو مايسمّى "الجرة"يترتب على الطبخ وتقديم الطعام مساهمة من المعزِّين لتخفيف وطأة التكلفة الباهظة التي تثقل كاهل المُعَزَّي بالديون والتكاليف الإضافية، وفي حال إلغاء الطبخ وعدم تقديم الطعام فلامبرر لأخذه، ويمكن جبران تكاليف الفاتحة المحتملة من خلال صندوق البيت والأقارب.
وخلو الفاتحة من الطبخ وأخذ وإعطاء المال (الجرة)، والاكتفاء بالمواساة وقراءة الفاتحة يضفي عليها طابع مرونة الحضور، والسهولة، والإنسيابية و الأريحية ، و يسهّل للكثيرين الحضور في المراسيم دون النظر إلى جيوبهم الخالية،ومن ناحية أخرى يجنّب صاحب العزاء الوقوع في مصاريف لاجدوى منها.
مَن يشعر بضرورة الإصلاح و المسؤولية تجاه شعبه ومستقبل أولاده وأحفاده عليه أن يقوم بخطوات إصلاحية كإلغاء الطبخ وتقديم الطعام، ورفض مشاركة البيارق والهوسة في مراسم العزاء وإطلاق الأعيرة النارية حتى يساهم في خلق بيئة آمنة وهادئة لأواده وأحفاده بغية نمو مواهبهم وازدهارها و قطف ثمارها.
16 views13:00
ل
