بيني وبين كل طالب علمٍ في هذه المدينةِ صلةٌ في ليالٍ طويلةٍ كهذه، لا أعرفُ بأسمائهم وإنما بصفاتِهم، بنوافذهم المضاءة في الليل حين يُطفئ الناس نوافذهم، بدعائي لنفسي ولكلِّ ساهرٍ على كتابٍ لا يقومُ عنه إلا ليصلي أو ليُعدَّ شايًا أو قهوة.
كلما تعبتُ ورقَّت عزيمتي خرجتُ إلى الشرفة، نظرتُ إلى نوافذ بعينها عرفتُ بطول العهد أنها لطلاب علم، رأيتُها مُضاءةً فدعوتُ لأصحابِها بالبركة في الوقتِ وحسن الفهم وقوة الذاكرة، لربما لا يعرفون أن هناك من يدعو لهم بظهر الغيب ولا يعرفهم، لكنني أستأنس بالدعاء لمن لا أعرف، وأقول عسى أن يكرمهم الله ويأخذني في زمرتهم.
كلما تعبتُ ورأيتُ نافذةً مُضاءةً استيقظ في قلبي شيء ما؛ لا أُريدُ أن يطّلع الله على هذه البقعة من أرضه في جوف الليل فيرى كل هؤلاء أيقاظًا يتعلمون العلم ويقومون به له ويراني راقدة، يسقط بجفني التعب ويُصحّي قلبي اطلاع الله علي من عليائه.
